استكمالاً لمقال الأحد (موؤدة القصيم، والعزاء الحزين) حول الحادثة المفجعة من زواج طفلة في الثانية عشرة من عمرها من رجل ثمانيني، وما صاحب زواجها من ألم ومعاناة لها ولأمها المنفصلة عن والدها.
ولاطلاعي عن كثب على مشاكل الناس وهمومهم، وملامستي لأوضاعهم الاجتماعية والأسرية، وبحكم التخصص الاجتماعي، فلا زالت قناعتي التامة بضرورة معرفة الدوافع كونها السبب الرئيس خلف القضايا الجنائية. فعلم الجريمة كأحد علوم الاجتماع ترتكز أسسه على معرفة دوافع الضلوع بجريمة أو محاولة القيام بأي جنحة أياً كان حجمها.
وأغلب جرائم القتل والاعتداء باعثها الانتقام، أو التخفف من العبء النفسي، وجريمة قتل أحد الزوجين لا تخرج عن هذين الدافعين. وهذا لا يعني التبرير للمجرم القيام بفعلته، ولكن أيضا النظر له كضحية.
وينادي علماء الاجتماع والناشطون الاجتماعيون بضرورة تهيئة الأجواء المناسبة للمرء للعيش بكرامة واستقرار، حتى لا تطغى نفسه الأمَّارة بالسوء فتقوده للقيام بالجريمة، بل إن ديننا الإسلامي يحث على الإحسان للأعداء «فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تدل على بذل الإحسان حتى للمسيء وتخفيف التوتر بين المتخاصمين (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) وذلك لمعرفة الشرع الحكيم بنفوس الناس وما تنطوي عليه من الخير والشر.
ولقد درستُ حالات انتحار أو محاولة فاشلة لها، وسمعت عن حالات القتل أو الشروع به، فوجدت أن بداياتها كانت استفزازاً أو قلة حيلة. وغالباً لا يقوم بهذين العملين إلا من فقد نعمة الإيمان بالله، والتسليم بالقضاء والقدر. فينبغي الحذر من مخاطر الاستفزاز أو التخطيط له، أو قهر النفوس الأبية، أو اضطهاد القلوب السليبة التي لا نصير لها إلا ربها ! وحالات الزواج بالإكراه أو زواج الصغيرات القاصرات من رجال كهول أو كبار السن تتمخض عنها نتائج سيئة جداً، ولا بد لهيئة حقوق الإنسان والشؤون الاجتماعية من دراستها بعناية والحيلولة دون حدوثها؛ لتخفيف حالات القهر والاحتقان عند الفتيات فلا يجدن من يساندهن فيشعرن بالضعف وقلة الحيلة، ومن أقل نتائجها:
- حالات هروب الفتيات أو الزوجات الصغيرات وما يرافقها من انحراف أخلاقي وهي ما أصبحت تطفو على السطح، ويتجاهلها المجتمع أو يعزوها لسوء الأخلاق فحسب، وهي بالفعل كذلك، ولكن أسبابها في الغالب زواج غير متكافئ نفسياً وعمرياً !
- حالات الانتحار من لدن الفتيات الصغيرات، وحتى لو نُسبتْ لضعف الإيمان فهي كذلك أيضاً، ولكن باعثها قلة الحيلة وزواج الإكراه، والشكوى الدائمة دون تحرك إيجابي من الأهل أو السلطات لحلها.
- حالات القتل العمد للزوج، باعثها -بلا شك- نفاذ صبر وانتظار ممل لحل مشكلة عالقة تعايشها الزوجة الصغيرة يوماً بعد يوم دون بارقة أمل بحلها، وإنقاذها من هذا الزوج العجوز، فلا تجد إلا هذه الطريقة للتخلص من الحياة، باعتقادها أنها هي الطريق الأقرب والأسرع للراحة!
- الحالات النفسية لدى الزوجات من ذهان واكتئاب وقلق وتوتر مردها غالباً زواج فاشل من رجل كبير في السن لا تستطيع عنه فكاكاً سواء من سندان زوجها أو مطرقة أهلها، فتجدها تستسلم لقدرها لتصبح حية كالميتة، وربما فشلت أو ترددت باستخدام وسائل القتل أو الانتحار أو الانحراف! أو صرفها الله عنها، يقودها إيمان صلب، وسياج متين من الأخلاق، وخوف شديد من الله، ورجاء به. ولئن توقعنا أنها أهون أو أفضل حالاًً ممن سبقنها، فهي بالواقع تكابد موتاً كل يوم، وتعاني انتحاراً بطيئاً كل ساعة.
- حالات التفكك الأسري وضياع الأولاد بعد الانتحار أو القتل أو الأمراض النفسية. وماذا نتوقع من تربية لأسرة كهذه ؟ وأي مواطن صالح سيعيش ويكبر في أجواء معتمة مثل هذه الأسرة؟!
وبرغم الحضارة والتطور، فلازال وأد المرأة، ولكن.. دون تراب!!
rogaia143@hotmail.Com
www.rogaia.net