Al Jazirah NewsPaper Monday  18/01/2010 G Issue 13626
الأثنين 03 صفر 1431   العدد  13626
 
لما هو آت
«جوَّة راسي»
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

أم دحيم، واحدة من القارئات اللائي وصلنني عن مكتب رئيس التحرير حين كانت تلح في الحصول على هاتفي، ولم أكن لأتذكر حتى جاءني صوت أمومي رحيم متردد، يستقرئ ما وراءه، وسرعان ما اطمأنت وهي تقول: هاتفك منذ ستة شهور أمام عيني، وابنتي ثلاثة عشر عاماً أمام عيني، تتكلم كثيراً ولا أفهمها، لكن معلمتها طلبت مني الاتصال بك، وهي متأكدة أنك سوف تسمعين ابنتي وتخبريني عنها، هل هي عاقلة أم مجنونة؟.. من أنت سألتها: «من خلق الله»، تفضلي فقولي ما تريدين: قالت: ابنتي كثيرة الحديث مع نفسها، لا أفهمها، تقرأ كل شيء، منذ أن تفتح عينها حتى تغمضها، تهذي تهذي، قلت: وهل عرضتها على طبيب؟ ارتفعت نبرة صوتها: «لا تقولي إنها مجنونة أو مريضة»، وطال شرحها دون أن أحصد معلومة تشخص لي فلست طبيبة فأكتشف، ولا محيطة بالفتاة وأمورها لأصل، و»أم دحيم» متكتمة تماماً، سألتها أن توصلني بابنتها لعلني أبلغ أمراً في شأنها، وبعد حوار جاءني صوت الصغيرة منهمراً تدلي بعد أسئلة كانت كما السدادة ما إن أزيحت حتى جاء قولها: (أنا قلقة، عقلي مليء كثيراً، أقرأ كل شيء وأتذكر كل شيء, الحروف التي أقرأها تتحرك مثل الناس على الأرض أمامي، «جوَّة راسي» مستودع.. مكتبة.. كتب..,

لا تكفيني معلومات المدرسة، معلماتي يقلن كل شيء أعرفه, ولا زيادة، أمي وأبي بسيطان لا يفكران مثلي, التلفزيون يقدم كل شيء لا يشبعني، الناس تجوع بطونها وأنا أشعر بالجوع في رأسي, أكتب على كل ورقة وجدار وحافة فارغة، أسأل لماذا الدنيا خاوية وفارغة، تعبت وأتعبت أمي،..)..

سألتها عن مستوى تعليمها أكدت أنها لا تعترف بالسنة الدراسية فهي في الثالثة عشرة والأول متوسط لا تعترف به، سألتها عن مستوى تعليم أبيها، ضحكت، عن البيئة التي تعيش فيها أصدرت صوتاً ساخراً، عن معلماتها وصديقاتها، قالت: لا تتعبي في النهاية لن أقول لأنني لا أعيش إلا مع ما في «جوّة راسي»... حاولت أن ألتقيها رفضت، طلبتها أن تحيلني لأمها أغلقت الهاتف وهي تقول: كلكم لا تصدقون ما في «جوة راسي».. حاولت أن أستعيد الاتصال لم أفلح.

أم دحيم لا تعلم أن هناك جهات للموهوبين، وأن هناك صدوراً تستوعب طموحهم، وعقولاً قادرة على تبني قدراتهم، وأساليب من الممكن أن تهيئهم لأن يفضُّوا عمَّا في رؤوسهم..

وأنها حين خطت لمواصلتي ما كان ينبغي لها أن تبدد أثرها, وتترك ما بيني وبينهما سداً...

فربما معلمة هذه الفتاة على قراءة لهذه الحروف, لتفعل شيئاً لما في: «جوَّة راس» أخت دحيم...

إنها شيء, ينبئ بشيء جميل لمستقبل ما في رأسها.. خارج الجنون وداخل أسيجته.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد