Al Jazirah NewsPaper Monday  18/01/2010 G Issue 13626
الأثنين 03 صفر 1431   العدد  13626
 
أوروبا وجيرانها المزعجون
نِك ويتني *

 

لقد منحت الجغرافيا أوروبا نعمة مختلطة، فالأوروبيون من ناحية يستطيعون أن يهنئوا أنفسهم لأنهم يعيشون على مسافة آمنة نسبياً بعيداً عن أية توترات قد تصاحب صعود قوى مثل الهند، والبرازيل، وبصورة خاصة الصين. ولكن أوروبا من ناحية أخرى يحدها من جنوبها وشرقها منطقتان شاسعتان تبعثان على قدر عظيم من الهم والقلق.

فحتى الآن لم تتكيف روسيا ولم يتكيف العالم الإسلامي مع العولمة بالدرجة الكافية. وما زال الاقتصاد في المنطقتين معتمداً بإفراط على صادرات النفط والغاز. وفي الشرق الأوسط يعمل هذا على تفاقم مشكلة إيجاد فرص العمل للقاعدة السكانية المتضخمة من الشباب في سن العمل. وروسيا أيضاً تواجه مصاعب ديموغرافية حقيقية، ولو أن متاعب روسيا تسلك الاتجاه الآخر، حيث من المتوقع أن يتقلص عدد السكان هناك بنسبة قد تصل إلى 10% على مدى السنوات الخمس عشرة أو العشرين المقبلة.

ورغم المخاوف المفهومة بين الفنلنديين والبولنديين، وغيرهم في وسط وشرق أوروبا، فإن العلاقة مع روسيا لابد وأن تكون الأيسر بين العلاقتين من حيث القدرة على إدارتها. ذلك أن علاقة الغرب بروسيا منذ نهاية الحرب الباردة كانت أشبه بالتقاء اثنتين من الصفائح التكتونية، حيث تشق إحدى الصفيحتين طريقها بالقوة أسفل الأخرى. وكان الصراع في جورجيا في عام 2008 بمثابة الهزة التي أشارت إلى وجود مقاومة كبيرة لتحرك الصفيحة الغربية باتجاه الشرق.

ولكن التحولات التي طرأت جعلت روسيا أكثر تضاؤلاً من حيث مجال نفوذها وقوتها العسكرية. ومن المؤكد أن روسيا فلاديمير بوتن أصبحت دولة تحركها النزعة القومية، وتتسم بصعوبة المراس وعدم اللباقة، وتميل إلى افتعال المشكلات الخطيرة. ولكنها أيضاً دولة تواجه مشكلات اجتماعية حادة ومشكلات ترتبط بالصحة العامة، هذا فضلاً عن تواجد 1,3 مليار صيني على حدودها الشرقية، والمصالح المشتركة القوية التي تربطها بأوروبا، بما في ذلك تجارة النفط والغاز والمخاوف المشتركة المتمثلة في التطرف الإسلامي.وقد تظل العلاقة مع روسيا صعبة ولكن إدارة هذه العلاقة سوف تكون ممكنة بالاستعانة ببعض الصبر والحزم. ومع تراجع حلف شمال الأطلنطي، وتقدم الاتحاد الأوروبي بمبادرة الشراكة الشرقية لتحويل وجه المنافسة المستمرة في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي على أرضية أقل عدائية، وما أبداه الرئيس باراك أوباما من استعداد لتسكين آلام كرامة روسيا الجريحة، فلابد وأن يكون في الإمكان تجنب وقوع أي مواجهة كبرى.

أما علاقات أوروبا بالعالم الإسلامي فهي أصعب كثيراً. أولاً، وفي حين أن أسباب استياء روسيا قد تكون أحدث عهداً، فإن أسباب استياء العالم الإسلامي أشد عمقاً، وذلك لأنها تولدت عن تفاعلات أكثر عمقاً، سواء في الماضي أو في الحاضر.

ثانياً، سواء فكرنا في إرهاب تنظيم القاعدة أو تواجد الجيوش الغربية في العراق وأفغانستان، فقد أظهرت أوروبا والعالم الإسلامي استعداداً مستمراً للتعامل بعنف فيما بينهما.

ثالثاً، حتى لو كان الأوروبيون عبارة عن مجموعة متنافرة من البشر، فإن العالم الإسلامي أكثر تنافراً. فالإسلام هو الغراء الوحيد الذي يربط أطراف العالم الإسلامي ويحدد هويته ولكن ماذا غير ذلك يجمع بين إندونيسيا واليمن على سبيل المثال؟ إن العالم الإسلامي ممزق بفعل النزاعات بين العرب وغير العرب، وبين والسُنّة والشيعة، وبين المتطرفين السلفيين والمعتدلين. وتدور أجندة القاعدة حول إقامة خلافة إسلامية جديدة فضلاً عن شن الجهاد ضد الغرب.

رابعاً، يجد الأوروبيون صعوبة في استيعاب المواقف الإسلامية التقليدية في التعامل مع النساء أو المثليين جنسياً على سبيل المثال. ويجد المسلمون صعوبة في فهم نظرتنا إلى مجتمعنا باعتباره مجتمعاً متحضراً على الرغم من الاستعراض العلني للإباحية والسُكْر. وإذا اعتبرنا أن الأوروبيين مسيحيون على الإطلاق، فنحن ننظر إلى الدين باعتباره علاقة فردية بين المرء وربه؛ أما المسلمون فينظرون إلى الدين باعتباره عقيدة اجتماعية منظِّمة. وثقافتنا هي ثقافة الذنب؛ أما ثقافتهم فهي ثقافة العار.

وتشكل إسرائيل بطبيعة الحال القضية المنفردة التي يتركز حولها استياء المسلمين. فهي تجسد النفاق الغربي سواء فيما يتصل بمنع انتشار الأسلحة النووية، أو رفض التعامل مع حماس المنتخبة، أو الاستعداد لانتقاد روسيا بسبب الاستخدام «غير المتناسب» للقوة في جورجيا، في حين يلتزم الغرب الصمت إزاء وفاة أكثر من 1300 فلسطيني في قطاع غزة.

إن أوباما، خلافاً لسلفيه، يتحلى بالشجاعة الكافية لاستهداف المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية، أو بؤرة العدوى، منذ بداية ولايته كرئيس للولايات المتحدة. كما ذهب إلى القاهرة لمخاطبة العالم العربي بكل تواضع واحترام، ومن دون التملص من قضايا حقوق الإنسان والحرية الفردية.

ومكمن الخطر في هذه السياسة الأميركية النشطة يتلخص في تقديمها الذريعة للأوروبيين للاسترخاء والاكتفاء بالهتاف والتهليل في حين يرفع شخص آخر الأحمال الثقيلة. ولكن هذه السلبية تشكل خطأً تاريخياً. ذلك أن المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط ليست متطابقة مع المصالح الأوروبية.فبفضل ما تتمتع به من حماية وراء المحيطات، وبتوظيف قدراتها التكنولوجية الفائقة من أجل تحقيق غاية الاكتفاء الذاتي من الطاقة، يبدو من الواضح أن الولايات المتحدة قادرة في النهاية على إقصاء نفسها عن عذابات الشرق الأوسط وعنائه. وبمجرد خروج الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان فقد تستسلم بالفعل لإغواء الابتعاد. أما بالنسبة لأوروبا فإن الابتعاد على هذا النحو أمر في حكم المستحيل. ذلك أن الأمن الأوروبي يرتبط ارتباطاً لا ينفصم بالحاجة إلى إيجاد السبل اللازمة للحفاظ على التعايش السلمي مع العالم الإسلامي.

إن أوروبا ليست محرومة من سبل الضغط. فقد عمدت حالياً إلى تأجيل تعميق العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل: إذا أصرت حكومة إسرائيل على رفضها لوقف استعمارها للضفة الغربية وزرع المستوطنات فيها، فلابد وأن يوضح الأوروبيون أنهم باعتبارهم السوق الأكثر أهمية لصادرات إسرائيل لن يتورعوا عن تبني خيارات أخرى أشد صرامة. ونظراً لإصرار كل من الحكومة الإسرائيلية والحكومة الإيرانية على استخدام عناد كل منهما كذريعة لعنادها، فلابد وأن تكون أوروبا على استعداد لاستخدام نفوذها الاقتصادي ضد إيران إذا رفض الملالي يد أوباما الممدودة.

وسوف يكون لزاماً على القوات العسكرية الأوروبية أيضاً أن تلعب دوراً حاسماً في الحفاظ على الأمن وضمان تطبيق حل الدولتين. وهذا يؤكد على أهمية انتباه أوروبا لمكمن مصالحها الأمنية الحقيقية، وضرورة تحملها للمسؤولية عن تعزيز هذه المصالح.

*كبير زملاء السياسات لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
خاص (الجزيرة)





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد