Al Jazirah NewsPaper Monday  18/01/2010 G Issue 13626
الأثنين 03 صفر 1431   العدد  13626
 

حين يجيء الغياب..
علي أحمد المضواح

 

لكل في داخله غياب يستوطن جزءاً من قلبه وحياته كبر أو صغر.. فحين تمتلئ الحياة بكل شيء إلا مما نحب فليست إلا قرية مهجورة خالية من كل شيء إلا الغياب، وحين يغيب كل شيء فيها إلا ما نحب فهي المليئة بكل معاني الامتلاء..

لم أكن أعي حقيقة الغياب إلا حين رأيته يمسك بيد صاحبي ويقوده إلى ذلك البيت يتنقل به بين غرفه ليريه أن هذا البيت لم يعد ملكا لوالدته؛ بل أضحى مأوى للغياب بعد أن رحلت، وحين سمعته يهمس له من منديلها المعلق على مرآة سيارته أن هذا المنديل لم تعد أمه من تتلفع به بل صار زينة للغياب..

ولم أعرف قوته إلا حين رأيته يقلب الموازين؛ فيجعل الدمنة خيرا من ألف قصر، والركن خيرا من ألف دار.. فلم تكن الأرض بما رحبت بكل زخرفها ومفاتنها خيرا لدى صاحبي من قضاء ساعات الأصيل على ناصية قبر أمه.. يخبرها عن حديث الزوايا والأمكنة الموجع والمفجع،وسرد الذكريات لقصص ارتباطها زمنا بتلك الأمكنة..

رأيت الغياب بقبحه يملأ كل الدنيا حتى صاحبي.. فسألت: أبعدَ كل هذا سيبقى للحضور مكان؟ أجابني صوته حين قال لأمه: غداً سنلتقي..

علمت أن الغياب الذي طالما هُمش في ساحات الحضور.. حين يحل بلا دعوة ستمتلئ الأمكنة بكل معاني الألم إلا من بقايا مقاعد كتب عليها محجوز للأمل..

(بعيدان نحن ومهما افترقنا

فما زال في راحتيك الأمان

تغيبين عني وكم من قريب..

يغيب وإن كان ملء المكان

فلا البعد يعني غياب الوجوه

ولا الشوق يعرف.. قيد الزمان)

«فاروق جويدة»

almdwah@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد