Al Jazirah NewsPaper Sunday  17/01/2010 G Issue 13625
الأحد 02 صفر 1431   العدد  13625
 
شيء من
عن قيادة المرأة للسيارات مرة أخرى!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

بودي لو أن إخواننا المتشددين، سواء المنغلقون منهم تماماً، أو الأقل انغلاقاً، قدموا لنا - أثابهم الله - حلاً لأزمة ارتفاع رواتب السواقين الأجانب في المملكة التي بدأت في التصاعد في الآونة الأخيرة. رواتب السواقين تتراوح الآن بين الألف وخمسمائة والألفي ريال شهرياً، ومن المتوقع أن تصل إلى ثلاثة آلاف في القريب العاجل كما تقول المؤشرات؛ وهذا يعني أن تكلفة المواصلات سترتفع حتماً. المرأة أكثر شرائح المجتمع تضرراً من البطالة، ومن يبتسم لها الحظ وتحظى بعمل تلتهم المواصلات جُلّ دخلها. وفي ظل غياب النقل الجماعي عن مدن المملكة، فلا بد لذوات الدخل المحدود من التعاقد مع (راعي جمس)، أو باص صغير؛ ليقوم (مشكوراً) بإيصال المرأة العاملة إلى عملها، ومن ثم إلى بيتها، وبين (ودّها) و(ردّها) يذهب جزء كبير من دخلها. أعرف أن الأرقام لا تعني المتشدد؛ فلم يتعود ذهنه على الأرقام؛ فقناعاته لا علاقة لها بالقضايا الاقتصادية عموماً؛ فالمسألة مسألة موقف أيديولوجي لا بد أن يقفه، بغض النظر عن سلامة هذا الموقف من الناحية الشرعية؛ فإذا فقدوا الدليل، ولم يجدوا ما يبررون به موقفهم، لجؤوا - كما هي عادتهم - إلى سد باب الذرائع، أو إلى (فقه الأحوطيات)، الذي أصبح حجة من لا حجة له.

رهان المتشددين على رفض قيادة المرأة للسيارة رهان خاسر حتماً؛ فلا الدليل الشرعي معهم، ولا الاقتصاد معهم، ولا حقوق الإنسان معهم. أن تتحدى (الدليل الشرعي) وأن تتحدى (الاقتصاد) وأن تتحدى (حقوق الإنسان)، وتصر على الممانعة، فأنت في النهاية خاسر لا محالة.

وهناك من غير المتشددين مَنْ يحاول أن يمسك العصا من المنتصف، بالتقليل من أهمية هذه القضية، واعتبارها قضية هامشية؛ فثمة - في زعمهم - ما هو أهم. أن تحرم المرأة من حق الحركة، تحت أي ذريعة، أو حجة؛ فأنت لا تنتهك حقاً إنسانياً لا يجوز لك انتهاكه فحسب، بل وتحمّل الناس تبعات مالية قد لا تسمح لهم ظروفهم بتحملها. من تجد أن قيادتها للسيارة قد يكون لها تبعات (سلبية) فلن يفرض عليها أحد أن تمارس عكس قناعاتها أو قناعات ذويها. أما أن يفرض (البعض) على الآخرين وجهة نظره، ويمارس عليهم وعلى قناعاتهم نوعاً من الوصاية؛ فهذا ما لا يمكن قبوله ولا تبريره بأي وجه من الوجوه. والحقوق الشخصية لا علاقة لقبولها بالأكثرية أو الأقلية، كما يتصور بعضهم.

يقول الشيخ أحمد عبدالعزيز بن باز في مقال له في جريدة الوطن: «إن الحقوق ليست ترفاً ولا تُمنح ولا يمكن التصويت عليها؛ فهل يمكن أن يطرح موضوع الرقيق للتصويت؟ وهل يمكن أن يطرح موضوع الملكية الفردية ـ مثلا - للتصويت ليكون بقرار جماعي أو أغلبي؟ لا يمكن ذلك؛ فالملكية والحرية حقوق للإنسان بمجرد ولادته، والخوف على النساء من أن يعتدي عليهن أحد ليس مبرراً كافياً لمنعهن من القيادة؛ فهذه مشكلة أمنية وتربوية بالدرجة الأولى، وليست مشكلتهن».

وليس لدي أدنى شك ان (هَوّنا) سينتهي إليها موقفهم في نهاية المطاف كما هو تاريخنا مع مثل هذه الممانعات؛ لكن أن (نهوّن) الآن خيرٌ لنا من التمادي في العناد، والمكابرة، والإصرار، ومزيد من الخسائر، ثم نكتشف (فجأة) أن الموقف الصحيح، الذي لا غبار عليه، المؤيد من الشريعة، ومن حقوق المرأة في الإسلام أن تقود المرأة السيارة، وأن من قالوا بالممانعة قد (أخطأوا) هداهم الله، فما كان لهم الممانعة والأدلة على جواز أن تقود المرأة وسيلة المواصلات تمتلئ بها كتب الفقه؛ كما حصل تماماً في قضية الاختلاط التي انتهت بالجواز. ومن لم يتعلم من تجاربه، وبالذات من أخطائه؛ فهو أقرب الناس إلى احتمالية تكرارها.

إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد