لا تكاد تمر ليلة شتوية فيهنأ لي نوم ما لم أتفقد مرقد ابنتي الصغيرة فأحكم غطاءها، وأتحسس أطرافها، فعندما تتقلب يقع الغطاء، فتتكور بردا برغم دفء الغرفة!
وحين أقتربُ منها لأعيد وضع لحافها وأتحسس جسدها النحيل تمسك بيدي فتلثمها فأدعها تمارس هوايتها البريئة لتبدأ بعدها بإملاء طلباتها الصباحية. فلديها إفطار جماعي في المدرسة غداً مع زميلاتها في الصف السادس- ب وتريد أن تتميز بنوع الفطور! برغم نصحي لها بالكف عن الأسلوب الاستهلاكي الشره، إلا أنها في كل مرة تعدني بأنها آخر مرة! وهكذا.. نغرق بعدها في الضحك ولا أملُّ قط من احتضانها والربت على كتفها وتشجيعها وإبداء رغبتي في تحقيق طموحاتي وآمال والدها .حتى كبرت أمام ناظري وأنا لا أفتأ أسأل نفسي: هل سيسألني ربي عن تهاونٍ في تربيتها أو إهمال لها أو حدة في نصحها فجرحت نفسها أو كسرت خاطرها؟ وهل سأندم يوما على تقصيري في حقوقها؟
أقول ذلك، وأنا أشرب كأسا من القهر، وأكوابا من الحنق وأقداحا من الغضب على الجريمة البشعة التي حدثت في منطقة القصيم؛ أبطالها أب مجرم وزوج أناني وشهود أنذال وعاقد أنكحة لئيم، هؤلاء الخمسة ذكور لم تمر بهم الرجولة قط، ولم تعرفهم الشهامة والمروءة، تواطأوا على تزويج طفلة في الثانية عشرة من عمرها من عجوز ثمانيني!
ولا أخال أحدكم لم تخالجه نفس مشاعري، ولم يكوه الألم عندما سمع أو قرأ هذه القصة البشعة وطرفا من محادثتها الهاتفية مع والدتها التي قالت: (كانت طفلتي تبكي بشدة وتقول: «ماما..سامحيني، صار شي وأقسم بالله إني دافعت عن نفسي. لا تزعلي غصب عني» وهي تبكي بشدة، فكدت أنهار وقلت لها عن ماذا تتكلمين فقالت «ماما فكوني منه» فقلت: ممن؟ قالت من الرجل الذي عمل معي «كذا.. وكذا»! وعندما حاولتُ الهرب منه «ضربني كفا،وأمسك بي بالقوة وجلست بعد فعلته ثلاثة أسابيع لا أستطيع المشي إلا بصعوبة!) حيث اعتبرت الطفلة ما قام به الوحش اغتصاباً وليس حقاً شرعياً، بحسب نصائح والدتها بالابتعاد عن أي رجل غريب والدفاع عن نفسها، ولأنها لم تُهيأ نفسيا للزواج أصلا!
ومن خلال الحادثة المؤلمة يظهر أن مسلسل اغتصاب الأطفال تحت غطاء شرعي لازال مستمرا، وهو أحد أنواع الاتجار بالبشر ممن يعيشون طفولة معذبة وحرمانا من الأمن.
ويبدو أن ليس ثمة بارقة أمل تشعرنا بسن قانون صريح أو نظام صارم يحمي الأطفال الأبرياء من تصرفات والديهم الذين تخلوا عن إنسانيتهم ! وإلا لفكر كل وليٍّ بالعواقب قبل أن يقدم على جريمته وغطرسته وتعسفه بفهم الولاية، وليس أقل من السجن عقوبة تعزيرية، وخلع الولاية عنه لأنه غير مؤتمن على من ولي عليه.
كما يظهر بأنه ليس هناك أدنى تفاؤل يلوح بالأفق ليحدث تغيرا وتطورا وإنسانية في وزارة العدل وما يتبعها من محاكم أو كتّاب عدل أو مأذوني أنكحة!
وتأتي هذه الحادثة وما سبقها من حوادث مشابهة متزامنة مع إصدار هيئة حقوق الإنسان تقريرها السنوي محملا بعبارة (السعوديات يتمتعن باستقلالية تحيطها الكرامة)! فبرغم التطبيل الذي نسمعه من لدن الهيئة حول منح المرأة حقوقها إلا أن الواقع غير ذلك، فلا زالت قضية زواج القاصرات تقض مضاجعنا، ولا زالت مسائل النفقة تراوح مكانها في توجه صارخ لتغليب مصالح الرجل الزوج على المرأة الزوجة، ولا زالت صلاحيات الولاية المفروضة على المرأة لا تقابلها تحمل مسؤولية الولاية الشرعية المقرونة بالنفقة. والأمر بحاجة لإرادة سياسية حازمة في ظل اضطهاد المرأة في بحثها عن رزقها بكرامة، ورعاية أبنائها بطمأنينة في كنف وطن كفل لمواطنيه رغد العيش والطمأنينة.
ترى حين يقع لحاف هذه الزوجة الصغيرة في ليلة شتوية من سيحكم غطاءها؟ وهل ستجد يدا حانية تتحسس أطرافها الباردة؟
وحين تجتمع زميلاتها في إفطار جماعي لن تكون بصحبتهن لأنها وئدت برعاية زوج عجوز يعاوده السعال وتداهمه أمراض الشيخوخة والخرف؛ فتنظر له بعين والعين الأخرى تطلقها نحو مستقبل غامض، أسود كسواد قلب والدها!
rogaia143 @hotmail.Com
www.rogaia.net