عنوان المقال أعلاه لم يكن للإثارة، بل هو فعلاً مطالبة مباشرة ومشروعة لأن يتفاعل مع المطالبات المتكررة والمنادية بضرورة صرف مكافأة شهرية لكل عاطل عن العمل، وهو الحق الذي يكفله دستور المواطنة.......
... التي تعلمه كل ناشئ على يابسة الأرض في شتى بقاعها تلك المطالبة التي أوجدها تكرار رفضها وعدم قبولها من قبل وزارة العمل، وهي الوزارة المعنية بتوظيف العاطلين عن العمل والقضاء على البطالة بالمملكة. وقد أكد ذلك معالي وزير العمل في غير مناسبة لعل أهمها المناقشة الشهيرة التي حدثت تحت قبة مجلس الشورى. ذلك المجلس الذي له حق إبداء الرأي في السياسات العامة للدولة والتي تُحال إليه من رئيس مجلس الوزراء إضافةً لحقه على وجه الخصوص - كما ورد في نظامه الأساسي - في مناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإبداء الرأي نحوها ومناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات، والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح ما يراه حيالها، والذي يتفرع عنه لجنة خاصة للإدارة والموارد البشرية والعرائض والتي ورد في نظام المجلس أيضا أنها تختص بدراسة الموضوعات ذات العلاقة بالشؤون الإدارية، والموارد البشرية، والعرائض، ولها على وجه الخصوص دراسة ما يرد إليها من موضوعات لها علاقة بالجهات والمصالح الحكومية والتي تم ذكرها في نظام المجلس ومنها وزارتا الخدمة المدنية والعمل وغيرهما من مؤسسات ومنظومات حكومية يُفترض أن تُعنى بالتوظيف وتطوير وتأهيل الشباب والعمل على القضاء على البطالة بالمملكة.
لست بوارد التطرق لمجلس الشورى تمحيصاً حيث سبق أن تطرقت له في مقالٍ سابق لكنني في ذات الوقت أتساءل: لماذا يتم على الدوام ذكر كلمتي (ما يرد إليه) في أي من المهام التي تم ذكرها في نظامه الأساسي وكأن عمل المجلس مقتصرٌ فقط على التقارير التي تأتيه من الوزارات والمصالح الحكومية ولا علاقة له بأي رأي قد يطرحه أحد أعضاء المجلس خارجاً عمَّا قد يرد إليه من تلك المصالح. وحتى أكون أكثر دقة، فبموجب ما تم ذكره آنفاً، لا يحق لأعضاء إحدى لجان المجلس مناقشة ما يدور ويطرح في الشارع السعودي ما لم يكن ذلك الطرح من خلال تقرير لإحدى الوزارات المعنية أو مُحالاً إلى المجلس من قبل رئيس مجلس الوزراء. هذا ما أفهمه من خلال قراءة نظامه ومهام لجانه. وعليه، فإن موضوعاً أو مقترحاً ما كصرف مرتب تعويضي للعاطل عن العمل لا يمكن التقدم به من قبل تلك اللجنة ما لم يكن اجتهادا من أحد أعضائها، ربما أثناء لقاء وزير العمل أو الخدمة المدنية، وإذا ما قدر الله ورفض الوزير ذلك المقترح يكون قد ختم الموضوع بشكل نهائي كما حدث أثناء لقاء وزير العمل مؤخراً.
الموضوع بحاجة لأن يُدرس بشكل متأن وجاد بنيّة تحقيقه سواءً من قبل مجلس الشورى أو أي لجنة أخرى، أو أن يتم تشكيل لجنة أو فريق عمل كما يرى ولي الأمر، فصرف مرتب تعويضي بشكل مدروس ومقنن لن يدفع العاطل عن العمل للبحث عن وظيفة فقط إنما سيؤمن أيضا حياة كريمة له ولمن يعول أعلم جيداً أن ولي الأمر حريص على تأمينها.
لا يمكن التصور اليوم بإمكانية بحث شاب أو شابة عن العمل وهو لا يملك مركبة يتنقل بها، فكيف يستطيع دفع أجرة سائق يوصله لمكان عمله، ثم ألا يحتاج ذلك الشاب لتحسين مظهره وهندامه قبل عقد أي لقاء أو مقابلة له في سبيل توظيفه، وقد رفع كثيرون ممن حباهم الله نعمة المال والعمل نسبة معيار القبول لديهم لأسباب لا تخفى على القارئ الكريم. ألا يحتاج من ابتلاه الله في رزقه وجعله عاطلاً عن العمل أن يجد لنفسه وأهله وذويه ما يسد رمقهم حتى يكتب الله له مصدراً للرزق.
كثيرة هي الأسباب التي تدفعنا للمطالبة بصرف مرتب للعاطل عن العمل، وكثيرة هي وسائل ومصادر دفعه بل يكفينا معرفة أن لدينا منظومة حكومية تُسمى صندوق تنمية الموارد البشرية بميزانيات ضخمة جداً يكفي جزء منها لتحقيق ما أطالب به بل أفترض أن يضطلع الصندوق بتلك المهمة الوطنية باعتبارها من وسائل وأدوات تنمية الموارد البشرية السعودية والتي لا تنحصر فقط على التدريب والتأهيل.
أعلم أن مقالي هذا سيغضب الكثير ممن يقفون ضد فكرة أو مشروع دفع مرتب للعاطل عن العمل، وأتفهم جيداً أن لديهم أسبابهم التي يرفضون من أجلها ذلك المبدأ، ولا أشكك في نوايا أحد إطلاقاً، لكنني ومن منطلقات وطنية عدة أدعوهم لمراجعة الأمر والتفكير بمنطقية الأدوات والوسائل والإجراءات التي تكفل قيام ذلك المشروع دون أن يكون مبعثاً للتواكل.