في قسم الإعلام بالجامعة التي كنت أدرس فيها، أمضينا الكثير من الوقت في دراسة نظرية لما يسمى «بالإعلام الإسلامي»، وخرجت من الجامعة مستفيداً من علوم عديدة وبعض الإعلام، الذي حظيت باكتسابه من الممارسة أثناء وبعد سنوات الدراسة.
إلى اليوم، ما زلت مختلفاً مع تلك الفرضيات التي سعت إلى تأسيس ما يسمى «بالإعلام الإسلامي»، ألف وكتب فيه أساتذة، حاولوا جاهدين التأصيل له بأسلوب علمي، وبقيت إمكانية التطبيق الصارمة للفكرة غير منطقية وصعبة، هذا بالإضافة إلى المسمى ذاته، والذي يسقط عن أي ممارسة مغايرة وصف»الإسلامي»!
وجدته أسلوب احتكار وتصنيف مرفوض، ماذا عن الوسائل الإعلامية المحلية؟، فكل من يعمل في الصحف وإعلامنا المحلي مسلمون، ثم ماذا عن الوسائل التي تعبر عن طائفة أو مذهب أو منهج فكري داخل الثقافة الإسلامية نفسها..؟
اليوم تظهر صحف إلكترونية، مواقع شخصية، ومجموعات بريدية، تقدم نفسها على أنها صحافة «إسلامية» ومن مختلف الاتجاهات والمذاهب والطوائف، تبعها قنوات تلفزيونية تتكاثر باستمرار تحت تصنيف «الإعلام الإسلامي» ويذهب البعض إلى وصف «الشرعي»!، وهي تكرر أسلوبها، بمساحة إبداع وتسامح أقل، ومعايير محافظة عالية تصل إلى التشدد وتقنين الأصوات والصور وفق نمط أحادي الاتجاه والتفاعل.
طبعاً الفضاء والوسائل تتسع للجميع لكل الأفكار مهما كانت رؤيتنا، اتفقنا أو اختلافنا حولها، والتحفظ هنا مهني ومعرفي، حيث يمكن تسمية هذه الممارسات أي شيء آخر، إلا أن تكون إعلاماً، كنت أفكر بوصف «وسائل دعوة وإرشاد جديدة»، لكن الحقيقة أن غالبيتها لا ترتقي لهذه المنزلة والقيمة. ولو تفرغ محام شاطر ونشط لمتابعة محتواها لأغلق وغرم معظمها؛ نتيجة لأساليب القذف والتشهير والكذب أحياناً.
إذا كانت هذه نماذج «ما يسمى بالإعلام الإسلامي» فنحن أمام ورطة في المسمى والممارسة والمنهج، وأرجو أن تبقى في دوائرها الضيّقة، ولفهم وظيفة الصحافة، ودور الصحفي، فإن كاتب الخبر ومحلّله ومقدم البرنامج يعملون في محيط مشحون بالمواجهة الدائمة مع الآخر، كما التصدي لأفكار التغير والتحديث ومعارضته.
على الجانب الآخر، قد نشرح إشكالية عدم قدرة تلك الوسائل على التعايش مع الفنون، ومواقفها المنغلقة أمام قضايا عديدة - كل ما يتعلق بالمرأة - نموذجاً -، لكن المشكلة تتجاوز ذلك إلى الانغلاق التام على نفسها، وعلى دائرتها الضيّقة ليصبح منظار الأحداث أحادياً حاداً في كل محتواها، وهي جوانب لا تتسامح فيها نظريات الإعلام في أبسط قواعدها المهنية وأعرافها، الأمر الذي يعني أن فكرة «الإعلام الإسلامي» المتشددة لا وجود لها، وما يتوفر اليوم من وسائل تعبوية لتيار أو اتجاه أو طائفة أو مذهب، ومنها ما هو تحريضي، ليس إلا، والقليل جداً منها دعوي تبليغي فقط، ولا يمكن مهما بلغ حجم تبرعاتها وجمهورها، أن تكون إعلاماً، أو تحتكر صفة «الإسلامي» وحدها.
إلى اللقاء