Al Jazirah NewsPaper Saturday  16/01/2010 G Issue 13624
السبت 01 صفر 1431   العدد  13624
 
رجب الطيب أردوغان شخصية الإسلام الوسطي
عبدالإله بن سعود السعدون

 

قد يكون من قدر مدينة أسطنبول أن جعلها الله سبحانه وتعالى الأرض المقسمة بين آسيا وأوربا لتجمع بين جوانبها مخزوناً حضارياً وبتشكيلة متنوعة من آثار الرومان واليونان والموروث الحضاري للملحمة التاريخية للخلافة العثمانية، وتبارك جيش محمد الفاتح بخوض عباب البحور لتكسير حصون (القسطنطينية بوليس) وفتحها لتصبح عاصمة الخلافة الإسلامية ولتحمل مسمى (إسلامبول).

في مدينة الإسلام وُلد رجب الطيب وترعرع في مدينة ريزة على سواحل البحر الأسود لهجرة والده طلباً للعمل، وأنهى دراسته في ثانوية إمام خطيب، واتجه ثانية لمدينته أسطنبول ليلتحق في (جامعة مرمرة) لدراسة الاقتصاد. ومن أجل توفير مصاريف معيشته الجامعية عمل بمهن عديدة وبإصرار العصامي المؤمن.

برزت أفكاره السياسية القيادية بانضمامه لحزب الخلاص الوطني بزعامة أربكان في نهاية السبعينيات، ورُشح عام 1994م لانتخابات بلدية أسطنبول وكان نجاحه بأغلبية ساحقة نقطة تحول في مسيرته السياسية، وقدم لمدينته أسطنبول الجهد والعمل الجاد ووضع بصمته الواضحة على خريطتها الجغرافية والخدمية وتم ربطها بطرق حديثة برية بكل المدن التركية ووضع حجر الأساس للجسر المعلق الثاني ليربط آسيا بأوروبا مما يخفف في حركة السير ويقلل الاختناق المروري من داخل المدينة الكبيرة والتي يبلغ عدد سكانها أكثر من عشرين مليون نسمة. وتم تنفيذ مشروع قطار الأنفاق السريع ليربط جنوب المدينة بشمالها بوسيلة مواصلات سريعة تحت الأرض. وأعاد تنظيم منطقة الآثار الإسلامية بلمسة حضارية حديثة. ونتيجة لقرارات عديدة تحولت مدينة أسطنبول نظيفة الشوارع وساكنة في الليل أخلاقياً بعد إلغاء علب اللهو المخالف للعادات والتعاليم الإسلامية.

ورسم عام 2001م خطاً جديداً لحياة أردوغان السياسية نتيجة لقرار المحكمة الدستورية التركية بحظر نشاط حزب الفضيلة ذي الاتجاه الإسلامي لمخالفته الأفكار الكمالية العلمانية، وشكلت الأزمة السياسية بخلاف الرئيس أحمد نجدت سيزر مع رئيس الوزراء آنذاك بولند أجويد وتأثيراتها السلبية على الاقتصاد التركي بتعطيل رئاسة الجمهورية لمجموعة من القرارات الاقتصادية التي اقترحها مجلس الوزراء لتفادي الأزمة الاقتصادية.

وامتدت هذه الأزمة السياسية لتضع بظلالها على السوق المالية مما أدى إلى انخفاض حاد بأسعار أسهم الشركات وتدني سعر صرف العملة (الليرة التركية) بنسبة 50% مما هدد البنوك التجارية بإفلاس شامل.

ومن بطن هذه الأزمة السياسية والاقتصادية أُعلن عن تشكيل حزب سياسي تحت مسمى (حزب العدالة والتنمية) بتشكيلة شابة وطنية بزعامة رجب طيب أردوغان، بإطار ليبرالي وإسلامي وسطي. وقد أوجز أردوغان برنامج حزبه الجديد بجملته المشهورة (سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر والمعاصر في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99% من الشعب التركي).

واستطاع وبذكاء عالٍ أن يقف وسطاً بين المؤسسة العسكرية الكمالية ودعاة العلمانية السياسية في المجتمع التركي وتحقيق آمال الأكثرية الواسعة من مفاتيح العملية الانتخابية من القوى الإسلامية في الشعب التركي والتي منحته الأغلبية النيابية في أولى انتخابات عامة يدخلها حزب العدالة والتنمية. وقد صدق أردوغان في تحقيق برنامجه الانتخابي والذي حقق النمو الاقتصادي وركز حرية الإنسان التركي باختيار الزي الذي يناسبه وأصدر البرلمان قانوناً يلغي حظر ارتداء الحجاب وبذلك أعيدت حرية ارتداء الحجاب لطالبات الجامعة وموظفات المؤسسات الخاصة والحكومية. وقد تسبب هذا (الحظر) اللاإنساني لإسقاط عضوية النائبة المنتخبة السيدة مروة قاوقجي في انتخابات 1999م ولم يُسمح لها بتأدية اليمين لكونها محجبة فعادت للتدريس في جامعات أمريكا بعد استقالتها من البرلمان لرفضها خلع حجابها الإسلامي.

هدف المعارضة العلمانية من حظر الحجاب ومنع دخول المحجبات لدوائر الدولة الرسمية هو منع الوزراء وعوائلهم المحجبات من إظهار الصورة الإسلامية للمجتمع التركي نحو العالم، وشمل هذا الحظر القاسي المستشفيات والمدارس والقصور الرئاسة.

وبعد التحول الإسلامي وإعلان حرية الزي الإسلامي دخلت القصر الجمهوري السيدة الكريمة (خير النساء) بحجابها الإسلامي بصفتها حرم فخامة الرئيس عبدالله غول رئيس الجمهورية.

استطاعت الإصلاحات الاجتماعية المنفذة من حكومة الرئيس أردوغان إعادة الوجه والهوية الإسلامية للمجتمع التركي وأصبحت الصلاة جماعة في الدوائر الرسمية مظهراً يومياً، وكذلك مآدب الإفطار طيلة شهر رمضان، والسماح لموظفي الدولة بأداء صلاة الجمعة ولمدة ساعة بحرية طوعية تامة. نال أردوغان إعجاب وتقدير كل الأمة الإسلامية لمواقفه الشجاعة للحق العربي الفلسطيني وتحديه الجريء لكل بنود الاتفاقية الإستراتيجية التي وقعها غيره في عهود سابقة وكان تصديه لأكاذيب بيريز في منتدى دافوس وفضحها أمام العالم لحظة قائد إسلامي شجاع والذي لم ينس دعم المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفو رغم ألغام الحقد السياسي التي زرعت بطريقه، وبعزم المؤمن بأفكاره الصادقة أعطى نموذجاً دولياً للإسلام الصادق الوسطي لاحترامه للأديان السماوية الأخرى ودعمه لحوار الحضارات في العالم.

شخصية إسلامية مميزة تشكر لجنة الترشيح للجائزة العالمية التي تحمل اسم شهيد القدس الفيصل -طيب الله ثراه- لخدمة الإسلام للزعيم رجب الطيب أردوغان الذي تجمع شخصيته إيمان وأصالة الصدر الأعظم ووطنية والتزام الرئيس المنتخب.

محلل اقتصادي - عضو هيئة الصحفيين السعوديين



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد