بيروت - هناء حاج
حلقات كثيرة تتالت من برنامج «لول» أو «LOL» على شاشة «OTV» اللبنانية ولم يتنبّه أحد لما فيه من مضمون، ربما اعتقد البعض أن البرنامج لا يشاهد أو أن نسبة المهتمين به قليلة جداً، ولم يعترض أحد على أي نوع من مضامين الحلقات السابقة والتي لم تكن تخلو على الإطلاق من الألفاظ النابية بحجة «النكات» والفكاهة وتسلية المشاهد، فبعدما كان الاستخفاف بأخلاقيات المشاهدين الذين اعتقد بعضهم أنه ينتمون إلى فئة معينة تابعة للجنرال عون، اكتشفوا الآن وبعد تداولات عدة أن نسبة المشاهدة مرتفعة جداً نظراً لما آلت إليه الأمور في الأسابيع القليلة الماضية.
ولعل المسؤولين عن الإعلام في لبنان لم يكن في بالهم التنبه لما يحصل كل مساء أحد على تلك الشاشة بحجة «الإنتاج المحلي» وكأن الرقابة لا تلعب دوراً سوى للمحطات الأرضية وبرامجها الثابتة.
أذكر عندما كتبت مرة في الجزيرة عن عدم احترام «مريم نور» للمشاهدين والجمهور داخل الاستديو والضيوف وبالتالي للبرنامج الذي استضافها عندما بدأت تطلق ألفاظاً نابية وتصف الناس بصفات غير إنسانية، متحججة بأن الأمريكيين (وهم بنظرها أكثر حضارة وتقدم) يتلفظون هكذا ألفاظاً في حياتهم اليومية، واعترض البعض لأنني بانتقادي - كما يعتقدون - تخطيت القانونية المشروعة لحرية التعبير.
واليوم مع «لول» أيضاً من يعترض على تلقين جيل الشباب والأطفال النكات النابية والفكاهات عن العلاقات المحرمة والعلاقات الخاصة بين الزوجين بطريقة لا أخلاقية يعتبر إما متخلفاً أو قامعاً لحرية التعبير الإعلامي، أو أنه بالتأكيد معترض سياسي لأن المحطة تابعة للجنرال ميشال عون. وهذا كان رأي مخرج البرنامج شادي حنا متغاضياً عن أسلوب الكلام المبطن والعلني الناتج عن المقدمين أرزة شدياق وهشام حداد ومساهمة الضيوف برفع مستوى «الرتل» بنمط الكلام، فبين الجرأة والوقاحة خيط عريض وليس رفيعاً، فيما يمكن القول إن «لول» رفع سقف الوقاحة بالطرح إلى الإبتذال بالقول. وهنا نسأل كمشاهدين: هل التطور بالعري والإغراء وإثارة الغرائز عبر الألفاظ النابية؟ وهل المخرج والمقدمون والضيوف ومن يتابع البرنامج باستمرار وينتظره يكونون سعداء عندما يتلفظ أولادهم في المنزل والمدرسة وحتى الجامعات بتلك الألفاظ، كأن يتحدث الشاب إلى زميلته عما فعله مثلاً مع «صاحبته» أو أن تخبر المرأة زميلها وزملاءها كيف يكون مستوى الكلام بينها وبين زوجها أو أنهم بالتأكيد يريدون جيلاً مبتذلاً شوارعياً، فإن كان الأمر طبيعياً فعلى الأرض السلام.
ومثال على ذلك الحلقة التي حلّت بها «مايا دياب» عضو فرقة «الفوركاتس» وشاركت بالتغني بقدرتها على أن تطلق النكات عن الصاحب والصاحبة والخيانة الزوجية في غرفة النوم، وكأن الخيانة باتت مشروعة ومضحكة بحجة المرح وإضحاك المشاهدين.
أخطر ما في «لول» أن البرنامج استمر لحلقات طويلة كانت تتداول مضامينها بشدة بين الشباب وطلاب المدارس، يتناقشون صباح الاثنين بتفاصيل الحلقات التي شاهدوها مساء الأحد، وكأنها من مقرر اليوم الدراسي.. كل هذا وكل الاستخفاف بالإنسان والقيم الأخلاقية لم ينتبه لها المجلس الأعلى للإعلام، ولا المقامات السياسية والدينية، إلا عندما سخر البرنامج من مقام ديني، وكما حصل سابقاً بسبب أحد البرامج حين سخر من رجل دين وقامت الدنيا ولم تقعد بسهولة، حصل الأمر نفسه اليوم، وربما كانت هذه السخرية أمراً إيجابياً لإيقاف البرنامج (شرط ألا يعود بصيغته السابقة)
والإيجابي بهذا النتبه أن كل المسؤولين وكل المقامات الدينية تكاتفت وتضامنت ووقفة برأي واحد لإيقاف مهزلة «لول» لربما سنحتاج لاحقاً برامج مماثلة يتكاتف الجميع ويتضامن بدءاً من المجلس الوطني للإعلام الذي اعترض على الفكاهات البذيئة التي تطلق في البرنامج وتابعت وجة الاعتراضات التي انطلقت ببيان عضو المجلس الوطني للإعلام ريتا شرارة ومفتي جبل لبنان محمد علي الجوزو، لتصل إلى واستمرت مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني الذي طالب عبر بيانه باتخاذ إجراءات عملية وسريعة لوضع حد لبرامج الفكاهات البذيئة التي تخدش مشاعر الناس وحياءهم، وصولاً إلى نداء من المطران بشارة الراعي لرئيس الجمهورية لجعل «سنة 2010 سنة الأخلاق في لبنان».
وقد تكون هذه البيانات مجتمعة دفعت أيضاً بالعديد من التلفزيونات اللبنانية لشن حملات متواصلة إما عبر البرامج أو عبر فقرات متفرقة، وهذا ما جعل المدافعين عن «الفكاهات النابية والبذيئة» بالقول إن الحملة سياسية، فلو كانت كذلك لماذا زادت وتير النكات مرة تلو الأخرى؟ ولماذا لم تقم محطة «OTV» بالرقابة الذاتية؟ هل لأنها تهدف عبر برنامج «لول» أن يتحول المشاهد اللبناني؛ وبالتالي العربي أشبه بالشارع الأمريكي الذي باتت أغنياته الشعبية أيضاً ذات ألفاظ نابية؟
وهنا لا بد من الانتباه بأن العديد من البرامج تعمل بالأسلوب نفسه ولكن بوتيرة أخف وتمرر كلاماً وتلميحات بشكل أقل تفصيلاً.. فلو ترك الأمر على هواه مع «لول» فمن المتوقع أو المؤكد أن الأمر سينجر على كل ما بقي من برامج تحمل عنوان «فكاهة ومرح» بسخرية على المشاهد فينحدر معها مستواه الفكري والأخلاقي.