Al Jazirah NewsPaper Saturday  16/01/2010 G Issue 13624
السبت 01 صفر 1431   العدد  13624
 
فاطمة فقيه ومذكرات موظفة سعودية
د. فوزية البكر

 

ساحر هذا الكتاب حتى إنه يجبرك على اللحاق به في الممرات والمكاتب ومعامل التحليل والدورات والمؤامرات التي تحتضن بعض المؤسسات الحكومية .تكشف لنا مؤلفة الكتاب في مؤلفها الرشيق والغني بكل ما يخطر ولا يخطر على البال عمقا مخيفا من التشتت والفساد قد يساعدنا على فهم ما حصل في جدة الذي....

فيما يبدو ليس قصرا على قطاع الأمانة او البلدية بل هو عام ومشترك والفساد في كل الأحوال، ولكي يتمكن من الوصول لأهدافه لابد من دعمه من داخل النظام ومن مختلف الأفراد في الأجهزة التي تعمل مع بعضها بعضا لتحقيق أهدافها المالية والشخصية. دعوني آخذكم معي في رحلة ممتعة من الملاحظات الثاقبة التي سجلها قلم ذو ذائقة

حسية رفيعة.(ص 325: يقول هاملتون في مذكراته: هؤلاء البدو إذا ما كانوا ماهرين بشيء، فأن يتكلموا الساعات الطوال دون أن يعنوا شيئا ودون أن يقولوا كلمة هامة . إن الزمن بالنسبة لهم يشبه الصحراء ويشبه الريح «ص 326: يبدأ يومنا الوظيفي الساعة التاسعة، لكل واحدة طقوسها الصباحية. بالنسبة لي هو تحضير قهوتي المفضلة.. عدد منهن تردد أذكار الصباح ضد العين والحسد والشرور التي تخرج من الأرض وتتساقط من السماء وبعض يصلي الصبح الفائت، الساعة التاسعة والنصف يبدأ الفطور وينتهي حسب المواضيع المطروحة ويصل الى الحادية عشرة. بعد الانتهاء نتوجه للمكاتب وإحدانا تذهب للكنبة المريحة للتمدد وتنام حتى نهاية الدوام وعلى الجميع التعاون والتزام الهدوء، وإذا لزم الأمر إطفاء النور. بعد ساعتين يبدأ الاستعداد للصلاة. ثم الساعة الواحدة تبدأ الهمة بالهبوط وبذلك فمتوسط العمل هو طباعة خطاب واحد في اليوم. أما في رمضان فهناك اختلاف جذري فيبدأ النهار بقراءة سور من الذكر الحكيم، يليها هبوط شديد للهمة ويعم السكون وهذا هو الموظف الحكومي الذي ينظر اليه المجتمع على أنه مسكين ومغبون في حقه.. وهكذا تمر السنون ولا أحد يفكر في شيء ولا يوجد هدف مهم ولا نتيجة لأي شيء. الإنتاج كلمة غائبة عن الأذهان. الحياة مختزلة في كلمة «يوم «. الأيام عبارة عن فقاعات صابون هشة تبدأ وتنتهي. ليس لها ماض ولا تترك أثرا في التاريخ فهي تبدأ في الصباح وتموت في نهاية الدوام. كل ما نعرفه عن السنة هو زيادة رقم في كتابة التاريخ. السنة مقسمة الى أجزاء، وكل جزء يحتاج لعدة أيام تفرغ استعدادا لقدومه وعدة أيام تفرغ راحة بعد رحيله. شهر شعبان هو شهر احتضار للعمل لأن رمضان على الأبواب. في شهر رمضان بجماله وروعته يموت العمل و تنتحر المعاملات، يليه شهر شوال: نصفه عيد فرحة وإكمال لصيام الست والعدة والنصف الآخر نعود للعمل وبالكاد نفيق. يدخل ذو القعدة مرة أخرى فيحتضر العمل الذي لم نكمل له عملية الإنعاش لأن شهر ذي الحجة على وشك الدخول. نعود للعمل في نصف ذي الحجة وبالكاد نفيق !! في السنة الدراسية الجديدة تأتي طلبات مدارس، والاختبارات المتكررة، ونحن شعب أكثر من نصفه طلبة، فيتشتت اهتمام الأمهات الموظفات وينصرف الآباء الموظفون مبكرا لأن الأولاد طالعون من المدارس، ثم إجازة المدارس النصفية والإجازة الكبيرة، فيحضر الجميع وقد ملأ أجفانهم النوم وعبارة (تعرف إجازة وسهر) تصبح متداولة في كل الإدارات. أضف لذلك عشرة أيام اضطرارية، وأيام المرض، وأيام مجاملة من المدير وهكذا تمضي السنة بدون بركة ولا حركة ولا تستطيع إنهاء مشروع واحد مهما صغر في سنة واحدة. ص 103: كثيرا ما نسمع نقدا مستفيضا لأنظمة العمل في القطاع الحكومي من حيث كونها تسهل التسيب ولا تضبط الأداء، إن القضية برأيي ليست فقط في الأنظمة مع سوئها. بل هي إشكالية فكر وأخلاق المواطن نفسه، فالنظرة غير المحبة للعمل وعدم وجود رقيب مع شعور الكثير من المسئولين بعدم الأمان فيجعلهم يعبون من الموارد وخوفهم على مناصبهم فيحاربون المؤهلين حولهم من أبناء بلدهم بالإضافة الى أخلاقنا المرنة المرتبطة بالمفهوم المطاطي وهو (الحلال والحرام) حيث إن أكبر ذنب تتم تسويته بين العبد وربه بمجرد الاستغفار، وغياب مفهوم الإنتاج وغياب ثقافة أخلاق العمل وحقوق المرضى وحتى غياب مفاهيم حقوق الإنسان بصفة عامة، فقدان كل هذه المفاهيم من المنظومة الفكرية للإنسان تجعله يخرب أي نظام مهما كان متقنا، فالموظف يطغى على الأنظمة والقوانين والموظفين أمثاله فالكثير من البدلات المالية لا يتم إعلام مستحقيها بها وتختفي كما تختفي الشمس عند الغروب. ص: 292: سلطة الذكور في هذا المركز تجعل الوضع يشبه ما يحدث في الأرياف العربية حيث تقوم المرأة بالزرع والحصاد والطبخ والحمل والولادة وتربية الأبناء فيما يقوم الرجال بالإشراف على الحياة !! فمع المساحة الصغيرة والصلاحيات المحدودة، كانت الطبيبات يقمن بكل الأعمال: تدريب وتعليم وتصحيح وتنظيم المؤتمرات، وإشراف على الطلبة ومهامهم وإشراف على نظافة المكان وترتيبه وكل ما يمكن القيام به، بينما يحضر الأطباء تقريبا في الثانية عشرة ظهرا استعدادا للصلاة ومهامهم الرئيسية تنحصر في الإشراف على عمل النساء، ومدح أدائهن ويفضلون التي تجلب دخلا ماديا فيتم اقتسامه حسب القانون الوضعي: نصف بنصف !!! ص: 193 الفتوى هي المرجع الأكبر لسلوكنا وإذا تعذر وجود الشيخ الذي يوجه الإنسان في كل حركاته وسكناته بفتاويه، استخدم الفرد الأدوات نفسها التي يستخدمها المفتي، من أدلة شرعية واجتهاد ومطابقة للحكم، ويكون بذلك لدي كل شخص مفت خاص به، وهذه من الطرق التي يستخدمها القاصي والداني، في تحديد ما يجب القيام به وما يجب تركه وهي تحل محل القانون والنظام مع كل ما فيهما من مرونة بحيث تجعل كل القرارات قابلة للأخذ والرد والمفاصلة. وبالتالي، ومع فكرة الحلال والحرام و « استفت قلبك « تصبح المسألة برمتها مسألة شخصية بين العبد وربه، وبما ان الله غفور رحيم وبما ان أي تصرف خاطئ يدخل في دائرة اللمم والكبائر وديته او غرامته ركعتان في جوف الليل، وبالتالي يمكن ارتكابه وقت الضرورة. أقول: ألا يجد كل منا نفسه أسير أحد هذه الصور او جميعها وهو يخطو كل يوم في أروقة المؤسسات الحكومية . فاطمة فقيه تحدثت عن القطاع الصحي الذي يشكل أكثر من ربع الخدمات الحكومية التي تجهد الدولة في تقديمها ووضع الموازنات لها وربما استطعنا قول الأمر نفسه مع التعليم والخدمات الاجتماعية الخ.. لكن القصة انه وفيها كلها وكما حدث في جدة تموت المشاريع من الباطن وتأتي سنة وراء سنة ولا نملك من أدوات المتابعة كمواطنين مشلولين من حيث قدرة مؤسساتنا المدنية على المتابعة والمسألة خاصة وان الحكم هو الخصم في معظم الحالات الحكومية أقول لا نملك هنا إلا أن نغني مع فيروز وبقليل من التحريف: بحبك يا سعودية يا وطني. بحبك.. بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك بتسأل شو بني شو اللي ما بني ؟ بحبك يا سعودية يا وطني.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد