Al Jazirah NewsPaper Saturday  16/01/2010 G Issue 13624
السبت 01 صفر 1431   العدد  13624
 
إنه الوطن فتوقفوا ..
د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

 

ربما كانت هي الصدمة الثقافية الأهم ؛ فأن تدنو من المشهد دون أن تكون لك أرض، أو تحظى بقرض ثم تصبح من أهل الدار فمصاعب ومتاعب تنتظرك كي يعرفك السابقون، ويعترف بك الساكنون، وحين يفسحون لك موقفا أو مقعدا فإن فيهم من سيختصك بترتيل مزاميره ؛ متدثرا بالأمانة التي تحمله ليتلو وصايا الوعي الذي لم تعشه لحداثة موقع وربما خلل توقع، وتوشك تجثو على ركبتيك لتعلم وتتعلم ؛ ففوق كل ذي فهم فهامة ومفاهيم.

تطمئن في الليل؛ فتصدق وتصفق، وتحسبهم عرابي الجمال و الجلال ؛ فإذا أسفر الصبح قرأت واستقرأت، واكتشفت أن «المحو» لغة جديدة ؛ فما يقال سرا لا يصرح به جهرا، وما يحاضر عنه تنظيرا يختلف عما يتبلور واقعا، وترتفع علائم الدهشة، وتتناثر موانئ الاستفهام ؛ فأي دروس هذه التي سادت حين الإغلاق ثم تبددت وبادت في الآفاق؟

صورة أولى، أو هي صدمة أقسى، لم تترك فسحة للإيمان المطلق بالنوايا الصافية التي يختبئ خلفها الهاربون من ذواتهم وانتماءاتهم سعيا لمكاسب ومراتب، وفي المؤدى؛ صار المنادون بقيم المواطنة هم من يخترقها، والساعون للنزاهة يرتزقون منها، ورافضو العنصرية والقبلية والطائفية هم أصواتها الخفية والقوية.

لم يعد مجال للستر أو التستر ؛ فالوطن أهم من الانزواء خلف تهويمات الادعاء، ومن يرد الغنم فليحتمل الغرم، ولا يجوز - تحت أي تسمية - التماهي مع التقسيمات الطبقية ليكون لكل زاوية وناحية مظهر ومنبر، وقارئو السير هم مستخلصو العبر، والسعيد من وعظ بغيره، وتعسا لمن انتظر العظة في نفسه.

عشنا زمنا رغدا تسيدته الطبقة المتوسطة الراضية كفافا وعفافا، والضامنة قرارا واستقرارا، والحاسمة في محاربة الجريمة والإرهاب، ولم نكن نأبه للتفاوت المناطقي والقبائلي، وأشجار الحسب والنسب، واتجاهات التوظيف، ومواقف التصنيف، ثم عشينا بها، و فجعنا أن من يناهضون الإقليمية هم وقودها لأن المناصب تجاوزت الجار ذا القربى إلى الجار الجنب، وسترونهم عيانا في مواقع عالية وأوساط أكاديمية وثقافية.

الالتفات إلى هؤلاء كارثة ؛ فالوطن واحد، وإذا كانت الكفاءة هي المعيار فلا معنى لأي بحث آخر ؛ ولا فرق إن جاء المسؤول جنوبيا أو شماليا، بدويا أو حضريا، قريبا أو غريبا، وليت هوياتنا الوطنية تخلو من أي إشارات لجذور غير تراب هذه الأرض وتربيتها وقت أن مثلت الجدارة عامل الاجتذاب لمستشارين ومستثمرين وعمال قدموا من الشرق والغرب فأسهموا في قيادة مرحلة التأسيس، وأصبحوا الرقم الأهم في معادلة الدولة آنذاك.

ابتدأنا باغتراب المثقف عن مواقفه، ما جعله يقود الرأي في الاتجاه الخاطئ، وما يصلح دليلا على أن المواطنة ليست شعارا لملء فراغ الليل واغتراف النهار.

المواطنة انتماء لكل الوطن.



Ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد