Al Jazirah NewsPaper Saturday  16/01/2010 G Issue 13624
السبت 01 صفر 1431   العدد  13624
 
ماذا عن إنحسار ظاهرة التدين
عبدالعزيز السماري

 

بدأت مظاهر التدين في المجتمع العربي في الانحسار بعد أن كانت يوماً ما يتزين بها صفوة المجتمع ، ويتباهى بالقرب منها الرموز والقادة ، ويأتي انحسارها بسبب ظروف عديدة لعل من أهمها ما حدث من استغلال لتلك المظاهر المتدينة في الخطاب السياسي المعارض، وهو ما أدى إلى تأثر صور التدين الفطري بالتسيس، مما أشعل حرب لا هوادة فيها بين السلطات والإسلام السياسي كما يُطلق عليه في أدبيات الثقافة، بعد أن تم اختزال تلك المظاهر في كلمة واحدة هي الإرهاب، فكانت الحرب على مختلف الأصعدة ضد (الإرهاب)..

وفي ظل اختلاط مظاهر التدين الفطري مع المسيس، أصابت سهام السلطات كثيراً في محاربتها للإرهاب السياسي، وأخطأت في أحيان أخرى ضد متدينين ليس لهم علاقة بالعمل السياسي من الدين الحنيف، فأصابت من غير قصد سلوك التدين الفطري، وكانت النتيجة قمعا مباشرا لهذه المظاهر، ولبعض الأعمال الخيرية الحقيقية، مما أدى إلى هروب بعضهم من شخصياتهم الطبيعية، والاختفاء خلف مظاهر جديدة، وذلك هرباً من الوقوع في دوائر الشك والاتهام، و كان لإحكام قبضة السلطة وتشددها التأثير الأكبر في رسم معالم الشخصية الجديدة عند المتدينين..

كذلك أصبح اختزال نجاح الشخصية الاجتماعية في نموذج المظاهر الليبرالية رسالة غير مباشرة للناس في تخفيف مظاهر المحافظة، والميل نحو التحرر النسبي من سلوك المتدين المحافظ، وهو توجه قد يدخل في مسارات اتباع المغلوب للغالب، فالحرب العالمية التي يقودها الغرب الليبرالي ضد مظاهر وممارسات ومبادئ التدين في العالم العربي فتحت الباب للتحول الكبير في سلوك الأفراد، وهو ما قد يؤدي إلى سلب الشخصية العربية والمسلمة إلى شخصية أخرى فاقدة إلى مقومات الهوية التاريخية لسكان المنطقة أي أشبه بحالة سكان جنوب شرق آسيا، والتي ذابت شخصيتهم بعد أن تأثرت بغطرسة مظاهر القوة الغربية في بلادهم، مما أدخلها في متاهة التبعية التاريخية..

تحدث السلطة المحكمة تأثيرات عميقة في شخصية الإنسان، وقد تتحول بسبب قوة نفوذها إلى داخل الإنسان إلى تبني آلية النفاق من أجل إخفاء ما يؤمن به، وإظهار ما تريده السلطة منه، وذلك اتقاء من عنفها، لذلك عندما اجتهد بعض الفقهاء في استخدام التقية لمواجهة عنف السلاطين في الأزمة الأولى، فقد كان فيه إدراك غير مسبوق للتغيير في داخل الإنسان، واجتهاد شرعي أيضاً غير مسبوق لتبرئته من الشعور بالذنب، وقد تحول هذا الاجتهاد مع مرور الوقت إلى عقيدة يثاب فاعلها ويعاقب تاركها، وقد أحدث ذلك التوجه الشرعي خللاً بالغاً في قضية التعبير عن الرأي، وأدخل المجتمع الإسلامي بعد ذلك إلى إخفاء مبادئه في باطنه بدلاً من إظهار ما يؤمن به، ويذكر التاريخ أن عواقب تلك الفترة كانت خطيرة، وأحدثت انقساماً عميقاً داخل المجتمع العربي والإسلامي..، فقد حدثت فوضى عارمة قادت إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات تعتنق أيديولوجيات سرية..

من المهم إدراك تأثيرات السلطة على سلوك الإنسان، وألا يتم إقصاء مظاهر أصيلة في المجتمع في معركة محاربة فئة تخلط الأغراض السياسية بالدينية، والتي كانت نتيجته غير المباشرة أن يكون التدين في موقع التهمة في مختلف نقاط التفتيش الأمنية في المنطقة، وإن كان ما يقترفه بعضهم باسم الدين الإسلامي من تجاوزات على مختلف الأصعدة غير متفق عليه داخل المجتمع المحافظ..، فقد تم استغلال الدين من أجل مواقف سياسية بحتة، كما حدث في الماضي مع مختلف التيارات التي هبت رياحها على المنطقة في مواسم القومية والماركسية وغيرها....،

قد أصبح المجال في الوقت الحاضر مفتوحاً أمام المد الليبرالي في الانتشار في المجتمع، وهو ما يعني أن الفرصة متاحة أيضاً لإعلان مبادئ سياسية من خلال الليبرالية، وهذه طبيعة الأشياء فالأفكار مهما كان مصدرها لا يمكن على الإطلاق تنقيتها تماماً من الشوائب السياسية..وكما قال الفيلسوف اليوناني الشهير ( الإنسان حيوان سياسي بطبعه)..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد