الاختلاف جزء من طبيعة الحياة، وقاعدة يُؤسس عليها التكامل مظلته، والراصد لمسيرة التاريخ الإنساني يدرك أن غياب اليقين بهذا المفهوم وعدم اعتماده في التعاطي على الصُّعد السياسية والثقافية والدينية، كان السبب الرئيس في سفك الدماء، وإشعال الحروب، وازدياد الفجوة بين الثقافات والشعوب، بل إن الاقتصاد الذي تقوم عليه مصالح الناس ومعاشاتهم، يعتمد في الأساس على حقيقة مساحة الاختلاف في جغرافيا الموارد، وخريطة التملُّك والقدرات والمهارات.. هذا الاختلاف هو الذي لا يزال يمنح التواصل والتكامل فرصة أرحب لتأسيس علاقات قوية متينة تعتمد على المصالح المشتركة.. وبعيداً عن الاقتصاد فإن الاختلاف في دائرته الواسعة يُمثِّل الفضاء الأرحب للأمم والشعوب لتتقارب فيما بينهما.. وتتواصل وفق المفهوم الطبيعي لاستمرار الحياة.. لكن جزءاً هاماً من حقوق الإنسان يكمن في احترام ثقافته وحضارته التي يؤمن بها.. ويعتقد بأنها الجزء المكمل لوجوده، والاتجاه الدولي المتنامي لدعم حقوق الإنسان مؤشر إيجابي يستحق الدعم والإشادة والعمل على تعزيز عدالته في كل مكان.. لكن الفضاء الأرحب لتأسيسه على قاعدة صلبة، يكمن في القبول بمعايير الاختلاف بين الثقافات، إذ لا يُمكن أن تُؤسس حقوق الإنسان على إزهاق حقوقه في الإيمان بمن يُوقن به ويحترمه.
العالم اليوم وفي ظل اتساع دائرة التواصل والاتصال التي أنتجت العولمة بمفهومها الحديث بحاجة إلى خلق مساحة أكبر لقبول الاختلاف، والقراءة الاجتماعية المتفحصة لتحولات قناعات الشعوب والمجتمعات، تكشف لكل ذي لُبٍ وبصيرة أن الاقتناع وتطوير المفاهيم الاجتماعية من الداخل على أرضية الحوار والإقناع، هو من يُؤسس لتطور اجتماعي طبيعي يُعزز التنمية والتواصل الإيجابي بين أفراد المجتمع ومؤسساته والمحيط الخارجي.. بعيداً عن الأساليب البرمجية التي تتعاطى مع الإنسان باعتباره آلة قابلة لحذف الهوية والقناعات بلمسة زر، والمملكة العربية السعودية التي تستند في دستورها إلى الدين الإسلامي تدرك الضمانة الكاملة التي يقدمها الإسلام للإنسان في تكامل حقوقه وحقوق الآخرين، وفق نصوص واضحة وصريحة لا تقبل الجدل.. وقد تحركت المملكة لتطوير التعاطي المؤسسي مع حقوق الإنسان من خلال هيئة حكومية وجمعية أهلية ترعى تطوير هذا المفهوم بشكل علمي وعملي، وفق إجماع رسمي وشعبي يستند إلى الشريعة الإسلامية السمحة التي تضمن الوفاء بحقوق الإنسان، وفق منهج سماوي مُحكم ورحيم.
***