قصيدة بدأت تفيض بها القريحة وأنا أحلِّق في آفاقٍ روحيةٍ مترامية الأطراف، في جوف الكعبة المشرفة حيث شرفت بدخولها صبيحة يوم السبت 16-1-1431هـ.. يوم غسلها. |
دعوني، بأهدابي، وبالدَّمع يَهْمِلُ |
وبالحبِّ من قلبي المتيَّم، أَغسِلُ |
دعوني بخدِّي أمْسَحُ الأرض إنني |
أرى مسحَها بالخدِّ مَجْداً يُؤثَّلُ |
هنا الكونُ، إني أبصر الكونَ ها هنا |
كنقطةِ ضَوْءٍ في الشرايين تُشْعَلُ |
هنا أُبصِرُ الآفاقَ من حولِ مُهجتي |
خيوطاً من الأشواقِ والحبِّ تُفْتَلُ |
هنا تصغر الدنيا، هنا يَقْصُر المدى |
هنا كلُّ ما نرجو من الخير يُقْبِلُ |
هنا أصبح التاريخُ في حَجْمِ مقلتي |
أقلِّبهُ في راحتيَّ، وأَحْمِلُ |
يحدِّثُ أخبارَ الزمانِ الذي مضى |
فيُوجِزُ أحيانا وحينا يفصِّلُ |
دعوني أُصَافحْ ها هنا كفَّ عزَّتي |
وأروي رواياتِ الشموخِ وأُرْسِلُ |
دعوني أقلِّبْ ها هنا دفتر المدى |
ففيه من الآياتِ ما سوفَ يُذْهِلُ |
هنا كان (إبراهيمُ) كانَ هُنا (ابنُه) |
بكفَّيْهما يعلو البناءُ ويكْمُلُ |
وكان هنا خيرُ البرايا محمدٌ |
يناجي وفي ثَوْبِ التعبُّدِ يَرْفُلُ |
هنا انسكبتْ أَنْوارُ خيرٍ ورحمةٍ |
وطابَ مقامٌ للمحبِّ ومَنْزِلُ |
فضاء فسيحٌ طِرْتُ فيه محلِّقاً |
أصلِّي إلى كلِّ الجهاتِ وأَقْبِلُ |
أليس هنا قَلْبُ الحياةِ ونَبْضُها |
ومَنْهَلُها الصافي الذي منه نَنْهَلُ |
هنا فُتِحَتْ كلُّ الجهاتِ، فحيثما |
توجَّهْتَ، وافاكَ المقامُ المفضَّلُ |
دخلتُ إلى جَوْفٍ كريمٍ مُطَهَّرٍ |
فعشت من الإحساسِ مالا يُعَلَّلُ |
كأنِّي على نَجْمٍ تألَّقَ وَحْدَه |
ومن دونه كلُّ الكواكبِ تَأْفُلُ |
صَعدتُ إليها، سلَّم اللهُ قلبَها |
فلا تسألوا عن غيثها كيف يَهْطِلُ |
وَلَجتُ فأنساني الحياةَ وأهلَها |
شعورٌ عميقٌ في فؤاديَ يُوْغِلُ |
ومن حولها الساحاتُ أَفْياءُ رحمةٍ |
وأغصانُ إيمانٍ وأَمْنٍ تُظَلِّلُ |
دقائقُ عَشْرٌ كالقرونِ مكانةً |
وأَعْظَمُ في الميزان شأناً وأَثْقَلُ |
وكالبرقِ في ميزانِ شوقي ولهفتي |
يَلُوحُ سريعاً للعيون ويَرْحَلُ |
هي الكعبةُ الغرَّاءُ رَمْزٌ ومَعْلمٌ |
نقدِّر معناها، ولا نتوسَّلُ |
كأني بخيرِ الأنبياءِ أمامَها |
يقول لها قولاً، عليه المُعَوَّلُ |
لها حُرْمةٌ عند الإله عظيمةٌ |
ومقدارها عند الإلهِ مَبَجَّلُ |
وأعظمُ منها حُرْمةً دَمُ مسلمٍ |
إراقتُه ظُلْمٌ وجُرْمٌ مُؤَصَّلُ |
هي الكعبةُ الغرَّاء، ما أَضْوَعَ الشَّذا |
وما أطهرَ الجُدْرانَ بالنُّور تُغْسَلُ |
وَلَجْتُ إليها، والصَّباحُ قصيدةٌ |
بأوزانِها البيضاءِ يَصْدَحُ بُلْبْلُ |
فللهِ ما لا قيتُ فيها من الرِّضا |
وللهِ معناها الذي لا يُؤَوَّلُ |
|