Al Jazirah NewsPaper Monday  11/01/2010 G Issue 13619
الأثنين 25 محرم 1431   العدد  13619
 

في جوف الكعبة
شعر : عبدالرحمن صالح العشماوي

 

قصيدة بدأت تفيض بها القريحة وأنا أحلِّق في آفاقٍ روحيةٍ مترامية الأطراف، في جوف الكعبة المشرفة حيث شرفت بدخولها صبيحة يوم السبت 16-1-1431هـ.. يوم غسلها.

دعوني، بأهدابي، وبالدَّمع يَهْمِلُ

وبالحبِّ من قلبي المتيَّم، أَغسِلُ

دعوني بخدِّي أمْسَحُ الأرض إنني

أرى مسحَها بالخدِّ مَجْداً يُؤثَّلُ

هنا الكونُ، إني أبصر الكونَ ها هنا

كنقطةِ ضَوْءٍ في الشرايين تُشْعَلُ

هنا أُبصِرُ الآفاقَ من حولِ مُهجتي

خيوطاً من الأشواقِ والحبِّ تُفْتَلُ

هنا تصغر الدنيا، هنا يَقْصُر المدى

هنا كلُّ ما نرجو من الخير يُقْبِلُ

هنا أصبح التاريخُ في حَجْمِ مقلتي

أقلِّبهُ في راحتيَّ، وأَحْمِلُ

يحدِّثُ أخبارَ الزمانِ الذي مضى

فيُوجِزُ أحيانا وحينا يفصِّلُ

دعوني أُصَافحْ ها هنا كفَّ عزَّتي

وأروي رواياتِ الشموخِ وأُرْسِلُ

دعوني أقلِّبْ ها هنا دفتر المدى

ففيه من الآياتِ ما سوفَ يُذْهِلُ

هنا كان (إبراهيمُ) كانَ هُنا (ابنُه)

بكفَّيْهما يعلو البناءُ ويكْمُلُ

وكان هنا خيرُ البرايا محمدٌ

يناجي وفي ثَوْبِ التعبُّدِ يَرْفُلُ

هنا انسكبتْ أَنْوارُ خيرٍ ورحمةٍ

وطابَ مقامٌ للمحبِّ ومَنْزِلُ

فضاء فسيحٌ طِرْتُ فيه محلِّقاً

أصلِّي إلى كلِّ الجهاتِ وأَقْبِلُ

أليس هنا قَلْبُ الحياةِ ونَبْضُها

ومَنْهَلُها الصافي الذي منه نَنْهَلُ

هنا فُتِحَتْ كلُّ الجهاتِ، فحيثما

توجَّهْتَ، وافاكَ المقامُ المفضَّلُ

دخلتُ إلى جَوْفٍ كريمٍ مُطَهَّرٍ

فعشت من الإحساسِ مالا يُعَلَّلُ

كأنِّي على نَجْمٍ تألَّقَ وَحْدَه

ومن دونه كلُّ الكواكبِ تَأْفُلُ

صَعدتُ إليها، سلَّم اللهُ قلبَها

فلا تسألوا عن غيثها كيف يَهْطِلُ

وَلَجتُ فأنساني الحياةَ وأهلَها

شعورٌ عميقٌ في فؤاديَ يُوْغِلُ

ومن حولها الساحاتُ أَفْياءُ رحمةٍ

وأغصانُ إيمانٍ وأَمْنٍ تُظَلِّلُ

دقائقُ عَشْرٌ كالقرونِ مكانةً

وأَعْظَمُ في الميزان شأناً وأَثْقَلُ

وكالبرقِ في ميزانِ شوقي ولهفتي

يَلُوحُ سريعاً للعيون ويَرْحَلُ

هي الكعبةُ الغرَّاءُ رَمْزٌ ومَعْلمٌ

نقدِّر معناها، ولا نتوسَّلُ

كأني بخيرِ الأنبياءِ أمامَها

يقول لها قولاً، عليه المُعَوَّلُ

لها حُرْمةٌ عند الإله عظيمةٌ

ومقدارها عند الإلهِ مَبَجَّلُ

وأعظمُ منها حُرْمةً دَمُ مسلمٍ

إراقتُه ظُلْمٌ وجُرْمٌ مُؤَصَّلُ

هي الكعبةُ الغرَّاء، ما أَضْوَعَ الشَّذا

وما أطهرَ الجُدْرانَ بالنُّور تُغْسَلُ

وَلَجْتُ إليها، والصَّباحُ قصيدةٌ

بأوزانِها البيضاءِ يَصْدَحُ بُلْبْلُ

فللهِ ما لا قيتُ فيها من الرِّضا

وللهِ معناها الذي لا يُؤَوَّلُ


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد