لا يختلف اثنان على أن التركيبة السكانية السعودية تغلب عليها القبائلية البدوية في الشمال والجنوب والشرق والغرب وفي نجد بلا شك.
وللقبائل أعراف هامة هي ثقافة خاصة مندغمة قادرة على نقد ذاتها وتصحيح مسارها في كل مرحلة؛ ذاك لأن اتساع الرؤية والأريحية والسماحة والانبساط وحب المعرفة والاكتشاف والترحل بحثاً عن حياة أكثر رغداً من السمات الصحراوية التي ظلت القبائل تورثها لأبنائها عبر جينات قارة!
ولم تكن المرأة بمعزل عن هذه السمات، فكانت الشاعرة التي تروى قصائدها والحكيمة التي تستشار والفارسة التي تغزو!
وللدكتورة دلال الحربي كتاب مهم في رصد وتوثيق وتتبع المبرزات من نساء نجد الشهيرات في كتابها (نساء شهيرات في نجد) والذي ترجم إلى عدة لغات، وأتمنى أن تتبعه المؤرّخة برصد المبرزات في الحجاز وفي عسير وفي إقليم الأحساء وهكذا ليكون وثيقة هامة في تاريخ المرأة التي عبرت في هذا المكان الهام من العالم.
لكن المرأة في الخمسين سنة الماضية تأثرت بصيغة الثقافة الحضرية في القرى والهجر والمدن الصغيرة التي تأثرت بالفكر الإخواني الذي أقصى المرأة من بيت الشعر المفتوح السناح الذي تمتد طنبه بالفضاء تتعادل فيه حصة النساء والرجال من الحياة فلا تخبئ الفتيات ولا تبعد المرأة عن مشاهدة ما يحدث في فضاء القبيلة وحين يحل سباق أو عيد لا يكون فرح النساء مؤجلاً أو مقصى في مكان بعيد!
كانت المرأة سنداً ونداً، يفتخر البدوي بابنته حين تفكر ويفصح لسانها، لا يئدها في آخر البيت ويحرم ظهور اسمها.
لكن تلك الثقافة اختفت وغابت وبعد أن كان بيننا البقمية الفارسة المشهورة التي قادت معركة قبيلتها ضد الغزاة، تقوم قيامتنا ويعلو ضجيجنا لأن بعض صغيراتنا شهدن سباق فروسية وقد سبقنا رسول الخلق عليه الصلاة والسلام فأدخل السعادة على نفس عائشة وأخذها لتشهد سباق الصبيان وكانت تستبق مع الرسول فهل كانت تستبق في بيتها!
لقد تركنا ثقافتنا القبائلية المنفتحة وتركنا ثقافة ديننا المتزنة وتلبسنا لبوساً ليس لنا أرهقنا حمله سنوات طويلة، ليس لنا ولسنا له، إنه تصورات مغالية تقوم على التشكيك والإقصاء وافتراض السوء بالآخر الذي هو دائماً بالتأكيد المرأة! حتى لو كانت فتاة لا تتجاوز العشر السنوات فيجترئ حارس ملعب على منعها من الدخول لمشاهدة مباراة كرة قدم مع أن والدها معها!!
فيا ثقافة البدو عودي لقد كانت جدتي أفضل حالاً مني!
fatemh2007@hotmail.com