يُوصف بأنه «إنسانٌ ملول فيما لا يُحب، ولديه صبرٌ وإصرارٌ والتزام فيما يعشقه».. هكذا يصفُ العلمُ الإنسانَ المُبدع، كما يقولُ أحدُ الحُكماء: «مسكينٌ ذلكَ الإنسانُ الذي لا يجدُ ما يستحقُ أنْ يستيقظَ لأجلهِ كُلَّ صباح».
والسؤال، ما الذي نستيقظُ لأجلهِ كُلَّ صباح؟ ولماذا نحنُ في العالمِ الثالث؟ ولماذا مواردُنا البشريَّة ضعيفة؟ أو بمعنى أصح، لماذا الموظف السعودي لا يمتلك الالتزام والجدية؟ ولماذا لا يُبدع في عملهِ؟ ولماذا يتحوَّل إلى موظف نشيط إذا كانت المعاملة لأحد الذين يتمنى إرضاءهم؟
والجواب، إنَّ ذلك عائدٌ للثقافة، والتي تُعرَّف علمياً بأنها «مجموع القِيَم والمعارف والمفاهيم الحاكمة للسلوك».
ولذلك، نحنُ بحاجةٍ إلى دراساتٍ شاملةٍ ومتعددةٍ على مختلف شرائح المجتمع، لمعرفة ثقافتنا، الحاكمة لسلوكياتنا، كما أنَّنا بحاجة للعديدِ من المبادرات والمشاريع التي تنتج عن توصيات هذه الدراسات، عبر مسارات إستراتيجية يتبنَّاها عددٌ من الجهات مثل: «وزارة الاقتصاد والتخطيط، وزارة العمل، معهد الإدارة، وزارة الثقافة والإعلام، الهيئة العامة للاستثمار، ووزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي»، بالإضافة لمشاركةِ كبرى الشركات من القطاعِ الخاص، لإعادة صناعة الثقافة السعودية من جديد، نحو قِيَم الإبداع والإتقان والجودة والتميُّز والمصداقيّة وغيرها من القِيَم التي نحفظها ولكننا لا نعملُ بها، عبر الوسائل والآليات التدريبية والتعليمية والتوعوية التي ترتكز على تغيير القناعات لتتغير السلوكيات.
ولنتأمل في هذه القصة التي تقول بأن أحدهم اشترى جهازاً عالي التقنية، متعدِّد الاستخدامات، صُنع في أعظم مصانع في العالم، مليءٌ بالتفاصيل، ومُعقَّدٌ على من لا يُحسن استخدامه، لأنه لا تنفع معه القوَّة، بل يحتاجُ للمرونة والدقة والفهم، حتى تزويده بالطاقة يحتاجُ إلى فن، فذهب صاحبنا متذمراً إلى المصنع، الذي كان ردُّه: لقد أعطيناكَ دليلاً متضمناً للقواعد والأركان الرئيسة والمنهج العام والحقائق العلمية لكيفية استخدام الجهاز وغيرها، فلماذا لا تتعلّم ممن سبقوك وتتابع أحدَث ما توصل إليه العلمُ في هذا المجال، فظل صاحبنا يشتكي لمن حوله قائلاً: «إن المشكلة تكمن في الجهازِ نفسه».. ولا بدَّ من أن أستبدله بجهازٍ آخر!
والسؤال، هل كان صاحبنا محقاً؟
وماذا لو علمنا أن هذا الجهاز هو «الإنسان» أعظمُ جهازٍ في التاريخ، فهو من صناعة خالقِ هذا الكون، والدليل هو القرآن، وأحدث العلوم في مجال إدارة هذا الجهاز هو علم الإدارة وتطوير الذات وغيره من العلوم الإنسانية.
وعندها سيكون الجوابُ: إن المشكلة ليست في الجهاز، وإنما فيمن يُديره، وهو لا يَعرف كيف يتعامَل معه، لذلك، آمل أن نُعيد صناعة ثقافتنا وفقاً لموروثِنا الإسلامي من خلال أحدث علوم عصرنا ممن سبقونا وفقاً لإمكاناتنا وتطلعاتنا، وعندها سيكون لدينا مواردَ بشرية وطنية قادرة على المنافسة في سباق النجاح العالمي، لتعودَ كما كانت «أعظم جهازٍ في التاريخ».
majed@alomari.com.sa