التعليم هي كلمة ذات أبواب متعددة ومن أهم مسؤوليات المؤسسة التعليمية تعريض منسوبيها إلى مختلف أشكال الخبرات والتجارب التي تسهم في نموهم العقلي والنفسي والوجداني، وعندما قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل) كان يعلم أن نقل الخبرات إلى الأجيال اللاحقة هي مهمة جسيمة تقوم بها المجتمعات ليس فقط لتمرير الثقافة بل أيضاً لرفع مستوى الكفاءة جيلا اثر الآخر، فالتربية والتعليم لم تكن يوما بمعلم يحمل بيد مسطرة وباليد الأخرى طبشورة في فصل مكتظ بالطلبة الذين يكابدون الملل ومشاعر السخط ضد معلومات تحقن رؤوسهم وفي النهاية لايتمكنون من استثمارها في حياتهم كخبرة ومهارة.
ونعود لمقولة الفاروق لنجد أن مفردة الأولاد (تستغرق الجنس) وقد يندرج بها البنين والبنات ومن ثم لا يداخلها الفصل العنصري والإقصاء عن المشهد العام الذي تعانيه الطالبات لدينا، فالمرأة العربية عبر التواتر التاريخي لطالما كانت جزءا من الفضاء العام ابتداء من (بيعة العقبة الأولى) وصولا إلى ساحات المعركة الذي انعكس في أبيات حسان بن ثابت عندما قال:
تظل جيادنا متمطرات ....تلطمهن بالخمر النساء .... الخمر هنا (جمع خمار)
المرأة العربية لطالما كانت فاعلة ومتفاعلة، وليست قنبلة موقوتة تتقاذفها الأمكنة خوفا من انفجار شرورها في أي لحظة، وبما أننا في مناخ الخيل والفروسية، فإن الحافلات التي نقلت الصغيرات مع أولياء أمورهن ليشاركن في مشاهدة حفل الفروسية الطلابي كانت تشق مساراً لتيار التاريخ كي يمر ويعيد التواصل مع صورة المرأة العربية الحرة المجاهرة بحضورها المشرف لأن ليس هنالك ما يعيبها والعار ليس جزءا متأصلا في شيمها، وحدها الجارية هي التي تغيب وتقصى، وصورة الجارية المكفنة بالغرائز هي التي صنعت ذلك الاحتقان التاريخي وبتت صلاته مع المرأة الصحراوية الحرة التي نلمح حفيداتها الآن يمخرن الصحراء بسيارتهن غير مباليات بقوانيننا الخاصة.... بالجواري.
الفروسية بمعانيها وبإرثها التاريخي تختزل التربية الجمالية والبدنية، وتفسر الموسوعة العربية التربية الجمالية بكونها (رعاية الذائقة الجمالية البصرية وتطويرها لدى الفرد، وتفضي إلى إيجاد التناغم والانسجام بين المجموعة الاجتماعية. والتربية الجمالية أساسية في هذه العملية إذا ما أحسن استثمارها، ولاسيما لدى الناشئة واليافعين، فلا مراء في منعكساتها الحضارية الرفيعة على جوانب حياة المجتمع وفعالياته كلها، لذلك أولتها المجتمعات الإنسانية، قديماً وحديثاً، اهتماماً كبيراً، فهي من أنجع وسائل الارتقاء والنهوض لدى الأفراد، وبشكل متواز مع التربية البدنية التي تكملها، فالأولى ترمم روح الإنسان، وتشذب أحاسيسه، وتسعى إلى سلامة نفسه، والثانية ترعى سلامة بدنه وصحته) . وهل هناك من تربية مثل الفروسية تجمع بين الجمال والرياضة؟
ولعل قافلة الحافلات التي نقلت الفتيات إلى مضمار سباق الخيل تستعيد بعض المهام المتعددة التي من المفترض أن تقوم بها المؤسسة التربوية في أي وطن ينشد التحضر والارتقاء فلم يعد هناك وقت وحيز لبروتكولات الجواري.