الكل يقول: بملء الفم لأولئك الذين يهذون خلف الكواليس، ويتبجحون على شاشات الفضائيات المأجورة، الذين يصنعون الكذب ويروّجون له، الذين جعلوا أنفسهم أبغالاً طيّعة سهلة الركوب للمغرضين الحاقدين الذين يؤلمهم أن يروا المملكة هانئة مطمئنة، ترفل في نعمة ونعيم ورخاء واستقرار، نعم الكل يقول: لن تنالوا إلا الخيبة والخسران فموتوا بغيظكم، ولن تحصلوا إلا على المزيد من الحسرة، فكل جهود الشر والفرقة والفتنة التي تسعون لها باءت بالفشل، ولاغرو في ذلك، فهذه مآلات الآبقين الذين يتنكرون لأهلهم وأوطانهم، وليس أدل على ذلك من الغبرة والقترة التي تعلو وجوهكم، فزادتها قتامة وظلمة، إنها الوجوه البغيضة التي شوهها الحقد والكراهية، هذه الوجوه النكرة أجزم أنها شاهدت تلك الصور التي ولا أبهى، صور الاستقبال الحافل المستبشر بعودة سلطان سالماً معافى، تلك الصور المعبّرة أصدق تعبير وأبلغه عن مدى التلاحم والمحبة والتآخي بين أبناء الأسرة الواحدة، فكل فرد في المملكة يعد سلطان أباً له، يعده أخاً له، يعده واحداً من أفراد أسرته، هذه الملحمة تشكلت بإرادة حرة صادقة، تشكلت وهي تلهج بالدعاء المخلص بأن يحفظ الله سلطان، وأن يحفظ المملكة وقادتها وشعبها من كل سوء ومكروه، وأن يرد كيد كل حاقد حاسد إلى نحره.
هذه الصور هي الرد الأبلغ، وهي التعبير الأصدق، على محترفي الكذب والنعيق، المطنطنين بهذاءات وهلوسات، النائحين المأجورين للنيل من المملكة على شاشات الفضائيات، هذه الصور البهية تقول بعفوية وبمنتهى الثقة والفخر، اكذبوا كما تشاؤون، طنطنوا كما تشتهون، نوحوا حتى تدوخوا، فكل جهودكم وكل مساعيكم ومكائدكم مآلها إلى بوار، وأنها مجرد زعيق وضجيج، صراخ ولجيج، وأن صداها لن يتجاوز الغرف المظلمة التي تبثون منها حقدكم وكراهيتكم، وأن المملكة - كيان وأفراد - ستبقى كريمة عالية، سامقة هانئة، مطمئنة متلاحمة، متآخية متحابة، مثل الجسد الواحد، مستلهمة كل هذه الشمائل من تمسكها بكتاب ربها، متمثلة متذكرة قوله تعالى: ?وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ? (سورة آل عمران 103 . مهتدية بسنة نبيها الكريم، متمثلة قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
يعزّز هذا ويسنده استرشادها بنهج كريم رسمه باني الكياني وموحّده الملك عبد العزيز، النهج الذي قام على حب أصيل متبادل بين الملك القائد وبين أبنائه وإخوانه وأهله في الأسرة الكبيرة المكونة لكيان المملكة العربية السعودية، رسم الملك عبد العزيز هذا النهج وخطة لينسج منه لحمة متلاحمة متينة البنيان، ثابتة الأركان، نعم خط هذا النهج الملك عبد العزيز بثاقب بصيرته، وبصادق مشاعره، وتوارث أبناؤه الملوك هذا النهج من بعده، ولهذا فالمشاعر التي غمرت النفوس بهجةً وسروراً تجاه عودة سلطان لم تكن مشاعر مصنوعة مدفوعة حسبما يرى في مثل هذه المناسبات الرسمية عند الغير، بل هي مشاعر نابعة من وجدانات تؤمن بمكانة سلطان الشخصية قبل الرسمية، سلطان الذي يجسد الإنسانية بجل معانيها ومواقفها.
فمن صور استقبال الأمير سلطان وإيحاءاتها، وفي مشاعر الحب الذي غمر النفوس وفي دلالاتها دروس وعبر لأولئك الآبقين الذين بحت أصواتهم شتماً وسباً وطعناً في الوطن الذي آواهم، إن كان لهم عقول يفقهون بها، فإن لم يفقهوا الدرس فالعزاء أن هذا هو سمت الجاحدين الآبقين، الذين يتنكرون دائماً للمبادئ التي يدّعون الإيمان بها والدعوة إليها، ويتنصلون من الأخلاق والقيم والشمائل التي لا يسع الإنسان السوي المنصف العاقل أن يتخلّى عنها وينزل إلى درجات سفلى من السفه والإسفاف والعقوق.