تناولت في المقالة السابقة ظاهرة كثرة برامج الفتاوى في القنوات الفضائية، وانتشارها، وتنافس القنوات على استقطاب الشخصيات الجماهيرية والفكاهية، وليس العلمية، وسمعنا عن أرقام فلكية لبعض البرامج تقدم للمفتين في هذه البرامج، كما أن شركات الإعلان هي الأخرى، وبناء على دراسات تسويقية تطلب عرض الإعلانات التجارية خلال عرض هذه البرامج، وإن كان المعروض إعلاناً لا يتناسب ذوقياً وأخلاقياً، وقبل ذلك دينياً مع برنامج الفتوى، ولكنه التسويق التجاري، والتجارة فحسب!.
واليوم سأعرض لقضية أخرى حول بعض الشخصيات العلمية الرصينة التي انساقت إما خلف الإغراءات، أو الإلحاح من قبل المؤسسات الفضائية، أو لأمور أخرى نجهلها، فأصبح حضورهم شبه يومي في القنوات الفضائية، ومباشرة على الهواء، ولا أبالغ إذا قلت ان بعضاً منهم يخرج على المشاهدين في برنامجين مباشرين في يوم واحد، فما أن ينتهي من قناة حتى يذهب إلى قناة أخرى، بل إن قناة فضائية ترغب في ضمان حضور الشيخ لأطول وقت، ولعدة مرات أصبحت تسجل برنامجها الفضائي في منزل الشيخ وفي مكتبته الخاصة.
وأنا هنا لا أعارض حضور المشايخ من ذوي المكانة العلمية ممن يملكون العلم والحكمة والاتزان، بل هذا مطلوب منهم، وبخروجهم تعم الفائدة، ولكن ثمة ملحوظات أتمنى أن يأخذ أصحاب الفضيلة بها، وهم يكثرون من خروجهم في القنوات الفضائية، وعلى الهواء مباشرة.
- يفضل تحديد موضوع لكل حلقة، حتى يكون استعداد الشيخ على أتم وجه، مستحضراً الأدلة الشرعية، وآراء الفقهاء جميعاً، وما ترجح منها، لاسيما أن المستفتين لا ينتمون إلى مذهب واحد، وعدم التشعب بموضوعات عدة في الحلقة الواحدة.
- الاعتذار عن إجابة بعض الأسئلة التي لا يجزم الشيخ بالإلمام بفحواها عرضاً أو إجابة ولا عيب في ذلك، بل من يعتذر عن إجابة ما لا يحيط بجوانب المسألة يكبر في أعيُن الناس، وتكون الثقة به أكبر.
- عدم الإجابة عن الأسئلة غير الدينية، فهناك من يجيب عن مسائل طبية واجتماعية وتقنية وتربوية واقتصادية وسياسية..!!
- الطلب من القنوات الفضائية غير الملتزمة بعدم عرض الإعلانات التجارية غير اللائقة في برامج الفتاوى، وأن يكون ذلك بطلب من الشيخ نفسه، احتراماً لما يعرض، واحتراماً للشيخ نفسه.
- أن يسبق الإجابة عن الأسئلة موضوع يختاره الضيف (الشيخ)، ويتحدث فيه لمدة خمس دقائق، وأن يكون ذلك عن القضايا التي تهم المجتمع، وهو حديث الساعة، ويتناولها من جانب شرعي.
وختاماً.. أود التأكيد على ما تحظى به برامج الفتاوى التي تذاع عبر الهواء، عبر إذاعتنا المحبوبة (إذاعة القرآن الكريم)، أو قنوات التلفزيون السعودي، وأرى أن هناك التزاماً بما ورد أعلاه، ولكن - وآه من لكن - فحديثي منصب على القنوات الفضائية التي أرى أنها سلاح ذو حدين.
وقفة :
عقب نشر المقالة الأولى تلقيت ملحوظات، واتصالات هاتفية، ورسائل بالإيميل والجوال، تتفق وتختلف مع ما نشر، لعل أن يكون معها وقفة أخرى في مقال لاحق بإذن الله.
alomari1420@yahoo.com