الخرق الأمني الذي تمثل في تمكُّن الطالب النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب من الصعود إلى الطائرة الأمريكية المتجهة إلى أمريكا من محطة استكهولم إلى ديترويت عشية إجازات الميلاد، هذا الخرق أدى إلى إجراءات ومراجعات أمريكية، وعلى أعلى المستويات لإجراءات الأمن، واعتبر الرئيس باراك أوباما الحدث تهديداً للأمن القومي الأمريكي، وأنه يستوجب، ليس فقط مراجعة آليات وإجراءات الأمن، بل وأيضاً فلسفة ونهج مواجهة الإرهاب الذي تتسع مساحاته وتتوزع أماكنه.
هذا الخرق الذي أشغل الأمريكيين وجعل رئيسهم يعترف بوجود قصور أمني كبير يسمح بوصول شخص إلى طائرة أمريكية بقصد تفجيرها، لفت الانتباه إلى فشل ما اتخذ من إجراءات لمحاصرة الإرهاب، إذ يرى الباحثون أن ما يسمى بالحرب على الإرهاب والتي تقودها أمريكا اقتصرت حتى الآن على المواجهة العسكرية، وبدلاً من أن تجفف منابع الإرهاب ازدادت وتمددت. ويؤكد هؤلاء الباحثون أن مثلما للإرهاب جوانب عسكرية وأمنية هنالك جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية لا بد من معالجتها حتى تكون المواجهة مجدية؛ فلولا الأزمات السياسية، والتي تولدت بسبب الاستعمار والاحتلال وفرض الهيمنة واستلاب حقوق الشعوب، لما حاولت تلك الشعوب انتزاع حقوقها باستعمال العنف، كما هو حاصل في الشرق الأوسط، إذ فجرت القضية الفلسطينية وزرع الكيان الإسرائيلي في قلب الوطن العربي وقيامه بالاستيلاء على الأراضي العربية واحتلاله من خلال شنه حروبا عدوانية متواصلة.
هذه القضية وتأخر حلها وإفرازاتها السلبية، فرَّخ العديد من المشاكل والأزمات في المنطقة حتى أصبح الشرق الأوسط مصنعاً لإنتاج الإرهابيين- ليس من العرب فقط والمسلمين المتهمين بانتهاج هذا الأسلوب لانتزاع الحقوق- فالإرهابيون اليهود يواصلون تنفيذ عملياتهم بقتل الفلسطينيين وهدم منازلهم والاستيلاء على ممتلكاتهم دون أن يجدوا من يردعهم، ويستنفر أجهزته الأمنية للحد من خطورتهم التي تدفع الآخرين دفعاً لمواجهتهم في أعمال عنف تصنف إرهاباً وفق مفاهيم الكيل بمكيالين.
إضافة إلى ذلك، ساعد تفشي الفقر، وتردي الأوضاع الاقتصادية وتباين الأوضاع الاجتماعية إلى خلق بيئة خصبة لتفشي ثقافة العنف والقتل واعتماد الإرهاب لفرض ما يعتقدونه من حلول لمعالجة الفقر وردم الهوة بين فئات المجتمعات والشعوب، إضافة إلى مواجهة ظلم الاحتلال وسطوته.
وهكذا، ولكي تصبح إجراءات ومعالجة انتشار الإرهاب الذي يكسب كل يوم مساحات ودولا جديدة، فيجب أن توضع اهتمامات معالجة ظلم الشعوب وإنهاء احتلال الأراضي والنظر بعين الاهتمام للقضاء على الفقر، وتوفير احتياجات الشعوب، عندها يمكن الاستعانة بالقوة العسكرية لمواجهة من يلجؤون إلى الإرهاب حباً بالإرهاب.. فالإرهاب لا يقضى عليه بالقوة، بل بمعالجة أسبابه وجذور انتشاره.
***