ثمة كاتب يرى أن دوره في هذه الحياة هو (الانتقاد)، وثمة كاتب يرى أن دوره في هذه الحياة هو (النقد) وثمة كاتب يرى دوره في هذه الحياة هو البحث عن (النقد!!) وبالطبع هنالك فرق شاسع في رؤية هذه الانماط الثلاثة من الكتَّاب:
فالأول يرى أن مهمة الكاتب تقتصر على البحث عما هو سيئ في الفرد أو الجهة أو العمل المنقود وتبيانه وتسليط الضوء على مكمن السوء فيه ليراه الفرد أو الجهة أو العمل لتلافي هذا السوء؛ أي أنه باحث عن الخطأ فقط. أما الصواب فهو (كما يراه) مجرد وضع طبيعي ليس بحاجة إلى تسليط الضوء لأنه من الواجب أن يكون هكذا، ويعلل مثل هذا الكاتب طريقته أنه يفضح السوء أمام المسؤول أولاً، وأمام الملأ ثانياً لمضاعفة الضغط لتصويب الخطأ واقتلاعه.
أما النمط الثاني من الكتَّاب الذي يؤمن (بالنقد) فهو يبحث عن الخطأ ويشير إلى الصواب في آن واحد لأنه يعتقد أن امتداح الصواب يحفز على المزيد من تلافي الخطأ، ويكون بذلك -حسبما يراه- إنصافاً للمنقود، سواء أكان ذلك فرداً أو جهة أو عملاً؛ أي ذكر السيئات والحسنات على حد سواء، وترك الأمر للمسؤول باتخاذ اللازم، وإبراء ذمته أمام الملأ بتحديد بؤرة السوء ولمساعدته في الضغط لتصويب (الخلل السوء) وبطريقة أسرع.
أما النمط الثالث الذي لا يعنيه سوى البحث عن النقد (أي الدراهم) فقط؛ فهو معني حسب رؤيته (الحولاء - طبعاً) بالبحث عن المحاسن فقط، وإبرازها وتضخيمها وتفخيمها حتى تغطّي على المساوئ ليكسب رضا وود (الفرد أو الجهة أو العمل) ليعود عليه ذلك ب(النقد الوفير) لأنه يكتب ليأخذ (نقداً) لا أن يقدم نقداً؛ لذا يتمسك بالمعنى القاموسي للنقد، كما جاء في لسان العرب (نقد نقداً ونقده إياها، أي أعطاه إياه فانتقدها- أي قبضها) والنُقّد هم السُفّل من الناس، والانقدان هو ذكر السلحفاة، والنقد جنس من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه، وعليه أن يختار ما يروقه من هذه المعانى والأصناف!!