Al Jazirah NewsPaper Thursday  07/01/2010 G Issue 13615
الخميس 21 محرم 1431   العدد  13615
 
معالي الدكتور عبدالله العثمان مدير جامعة الملك سعود.. من جدة:
نقدم فلسفة جديدة للعمل الخيري وحلمنا جنوني تكلفته 100 مليار ريال!

 

متابعة وتصوير - عبدالله الزهراني

أكد معالي الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن العثمان مدير جامعة الملك سعود بالرياض أن الجامعة قد أكملت منظومة تحديث خططها الأكاديمية التي تجعل الطالب هو محور وقلب المسؤولية التعليمية وليس بناءً على الطريقة التقليدية التي تبحث عن خلق فرص عمل لهيئة التدريس؛ وبالتالي يصبح الطالب خارج المسؤولية التعليمية.

وكان معاليه قد استهل كلمته في اثنينية عبدالمقصود خوجه بجدة مساء أمس الأول بقوله: جامعة الملك سعود من أقدم الجامعات وأم الجامعات السعودية، ومن هذا المنطلق تقع مسؤولية وطنية خاصة على هذه الجامعة، ولكي تقوم بهذه المسؤولية الوطنية لا بد أن تدرك ما هو الدور المأمول والمطلوب منها، ولابد أن تدرس المتغيرات الداخلية والخارجية وتحدد ما هي نقاط القوة التي تحسب لصالح هذه الجامعة، سواء في الداخل أو الخارج.

وأشار إلى أن جامعة الملك سعود عبر تاريخها الزمني مرت بثلاث مراحل مفصلية وهي مرحلة التأسيس ومرحلة الإبداع وقد استوعبت الجامعة الأعداد الكبيرة من خريجي الثانوية العامة وركزت على المهمة التعليمية وسخرت جميع مواردها المتاحة حتى عام 1424هـ بعد ذلك قفزت الأرقام القليلة لإحصائيات التعليم العالي حيث زاد عدد الكليات من 76 كلية إلى 450 كلية ومخصصات التعليم العالي من 6 مليارات إلى 70 ملياراً والجامعات من 7 جامعات إلى 24 جامعة حكومية و9 جامعات أهلية.

اليوم الجامعة وجدت نفسها وأخذت لها وظيفة لا يمكن أن يقوم بها إلا مثل جامعة الملك سعود حيث درست تجربة 90 جامعة عالمية في 13 دولة متقدمة وبخاصة الجامعات في جنوب شرق آسيا؛ وبذلك وضعت لها حلماً حدوده السماء، وعزى الأحلام الكبيرة للجامعة إلى عدة عوامل أبرزها البنية التحتية المتكاملة التي تقدر بـ 40 ملياراً.

وأردف قوله: «عندنا أساتذة متميزون؛ ففي كلية الطب في جامعة الملك سعود تخرج 75% من أفضل جامعات العالم، 80% من أساتذة كلية الهندسة تخرجوا من أفضل الجامعات في العالم حيث ابتعث هؤلاء الأساتذة لأفضل الجامعات في العالم وهذه نقطة قوة للجامعة، كما ساهمت الجامعة في إنشاء عدد من الجامعات في مناطق المملكة ثم ركزت بعد ذلك على الرياض لأن محافظات الرياض تشكل ضغطاً على الجامعة وأسست 54 كلية في منطقة الرياض وتوجت بإنشاء ثلاث جامعات، وهي اليوم تركز على البرامج البحثية والمعايير»، مضيفاً أنه «لا يمكن أن يكون لدينا برامج تعليم قوية إلا بتوافر عنصرين أساسيين المرجعية والمعايير الأكاديمية، والتعليم العالي من وجهة نظري ليست له خصوصية».

وألمح إلى أن الجامعة تشترك مع العالم في كل شيء وفي كل تفاصيله، نافياً أن يكون الهدف الحالي للجامعة هو أعداد الخريجين من الأطباء أو المهندسين كل عام، وقال في هذا الشأن: «تخريج الأطباء والمهندسين تستطيع أي جامعة القيام به؛ فجامعة بوزن جامعة الملك سعود بعد 53 عاماً لن يكون اليوم من مفاخرها فقط عدد الخريجين؛ فليس من المأمول من جامعة بوزن جامعة الملك سعود ذلك، المأمول منها هو ما تقدمه للعلم وحماية حقوق الأجيال القادمة».

وشدد على ضرورة وجود مرجعية محددة حيث ستؤهل الجامعة لأن ننافس العالم في المناهج أو الطريقة الحديثة، مؤكداً أن 57% من الاقتصاد العالمي اليوم هو اقتصاد معرفي، وضرب الدليل على ذلك بمثال بين أي دولة عربية وكوريا اليوم، وقال: إن شركة واحدة في كوريا دخلها 64 مليار دولار واليوم في كوريا ست شركات إنتاجها السنوي 560 مليون دولار والشاهد في ذلك هي الجامعات الكورية، واليوم في كوريا لديهم ثماني جامعات تدخل في تأهيل شنغهاي للجامعات، لافتاً إلى أنه لن يكون لدينا جودة من دون تنافس وتكامل ويجب على جامعة الملك سعود أن تحفز التنافس الشريف، ولو لم يكن هناك تنافس شريف بين الجامعات العريقة داخل أوطانها لتوقفت خدماتها.

وبيّن أن الجامعة انتهت من دراسة خبرات 90 جامعة وركزت على 25 جامعة منها، وتوصلت إلى ست كلمات لتحقيق رؤية لتحقيق الأهداف، والكلمات الست هي: ريادة عالمية وأن نشارك العالم في الريادة العالمية وجزء منه استقطاب أساتذة نوبل، ثم الشراكة الاجتماعية والكلمة السحرية لجامعة الملك سعود هي الشراكة بين رجال الأعمال وكل مكونات المجتمع الحكومي والخاص.

وأضاف أن الاعتماد مهم للأكاديميين بينما التصنيف مهم للسياسيين، وقال: إن تصنيف شنغهاي هو خريطة الطريق للجامعات وخطة استراتيجية وهناك خمس أو ست جامعات سعودية يجب أن تجعل من تصنيف شنغهاي خريطة طريق لها للعالمية.

ويرى معاليه أن العمل الخيري في المملكة مختزل في قضايا محددة المنافع وغير متعدية، وقال في هذا الشأن: «جامعة الملك سعود اليوم تقدم فكرة جديدة للعمل الخيري والمجتمع هي الوقف الخيري، وحلمها كبير في الوقف وأن نجمع 25 مليار دولار، وهو حلم جنوني.. وجامعة الملك سعود ستجمع المليار الأول - إن شاء الله -، وستأخذ على كل ريال خمسة ريالات، واليوم تبني عشرة أبراج (3 فندقية، 6 مكتبية، وبرج طبي بـ1500 مليون ريال) وهذه هي المرحلة الأولى، ولو أضفنا إليها قيمة الأصول ستكون 3 آلاف مليون ريال والجامعة أجرت ثلاثة أبراج حتى الآن».

وأكد أن جامعة الملك سعود حددت صفاتها في عام 2040م وحدد مواصفات الريادة العالمية، ومنها: استقرار الموارد المالية، مشيراً إلى أنه لا يمكن لجامعة تدعي أن تكون رائدة عالمية وبحثياً وهي لا تملك استقراراً مالياً، كما بيّن أن العلاقة بين العاملين والجامعة تحدد بمستوى الإنجاز ويجب ألا يكون العمر هو الفيصل، كما يجب أن يكون الإنجاز هو الفيصل والعلم والإنجاز، وبين أن الجامعات يجب أن تستقطب المبدع والمتميز بصرف النظر عن جنسيته؛ لأن المعرفة ليست لها جنسية ولا بد أن نتشارك مع العالم في كل شيء، وجامعة الملك سعود لديها 120 خبيراً سعودياً وأجنبياً يتقاضون رواتب أربعة أضعاف ما يتقاضاه مدير الجامعة، وإنا سعيد بذلك.

وأضاف أن جامعة الملك سعود تشارك الجامعات العالمية العريقة في استقرار الموارد المالية ولديها 180 خبيراً عالمياً، منهم 14 فازوا بجائزة نوبل، وتفخر الجامعة بأن لديها أكبر تجمع في ذلك ولدينا (شراكة مجتمعية) ولدينا مجموعة من كراسي البحث، ولكن جامعة الملك سعود طورت نموذج كراسي البحث وقلنا إن العلاقة بين الكرسي هو مع عمر الجامعة، والكرسي له فريق بحثي في مجال الكرسي، وأصبحت كل مجموعة بحثية هي مراكز بحثية بحد ذاتها.

وأفاد بأن الجامعة لديها الآن 90 كرسياً بحثياً لبناء خصائص الاقتصاد المعرفي وعملنا على تأسيس (حديقة علمية) ولدينا أكثر من 2500 مليون ريال لكراسي البحث وكرسي سابك حقق 25% وجامعة الملك سعود تسير في الطريق الصحيح، ودعونا نتخيل جامعة الملك سعود بعد ثلاث سنوات، مؤكداً أن التصنيف وسيلة وليس هدفاً، مشيراً في النهاية إلى أن جودة البرامج مؤشراتها الاعتماد على الأكاديمي، ولا بد من ضبط وتحسين الجودة، كما يجب أن تعمل جامعاتنا على الاعتماد الأكاديمي من أمريكا وكندا - على وجه الخصوص في نهاية 1433هـ -، وأي قسم لا يحضر الاعتماد الأكاديمي يجب أن يغلق بحسب الخطة الاستراتيجية التي وضعها أفضل بيت خبرة في العالم اليوم هارفرد، وهي ليست قوية في كل شيء، ولا يمكن لأي جامعة أن تتميز في كل شيء، وقطار التطوير في جامعة الملك سعود به 5 مقاعد يتنافس عليها 40 عميد كلية، وأنا أراهن على 5 كليات، كما أن الحراك ليس فقط في جامعة الملك سعود بل هو شامل من جامعة إلى أخرى، وأعدنا الابتعاث مرة أخرى، ويجب أن ننشئ مركز ريادة الأعمال؛ لكي يحصل الخريج على فرصة عمل خاصة له.

ثم تحدث أحد أساتذة جامعة الملك سعود عن تجربة ربط برنامج كراسي البحث ببرنامج الحاصلين على جوائز نوبل وتحدث عن كرسي الأوعية الدموية في كلية الطب وأنه استفاد من برنامج نوبل للعمل في دعم هذا الكرسي ووافق على أن يكون أستاذ كرسي في جامعة الملك سعود.

وتحدث عن المختبرات المتخصصة التي أنشأتها الجامعة ويدرس بها حالياً طلاب سعوديون في مرحلتي الماجستير والدكتوراه وتحدث عن المشاريع البحثية مع جامعة تورنتو بكندا، وتحدث عن مشروع القدم السكرية في المملكة وهي مشكلة كبيرة في المملكة. وبعد ذلك فتح باب الحوار وأسئلة الحضور:

* تحدث الدكتور حسين المحاضر مطالباً بتحرير كيف تم هذا الإنجاز ومحطات في حياة الضيف، وأجاب الدكتور عبدالله العثمان: لدينا معرض دائم في الجامعة لتوثيق البرامج الإلكترونية.

ثم تحدث الأديب الدكتور عبدالله مناع عن ثلاث نقاط وقال: حكى لي عنها الشيخ عبدالله بلخير وقال لي: إن الملك سعود كان يريد أن يشكل جامعة والشيخ عبدالله بلخير أمّن على هذا المشروع، وقال: بعد قيام الجامعة شعرت أنها متواضعة وقد دعيت لبحث الفكر العربي في 25 عاماً وكانت الندوة أكثر من عظيمة. وتطرق إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث وهو النقلة الحضارية وبلغ عدد الطلبة والطالبات 65 ألفاً في جامعات العالم وهم سوف يحققون الكثير.

ثم تحدث معالي الدكتور مدني علاقي وطرح سؤالاً عن أن جامعة الملك سعود برزت كأفضل جامعة في الوطن العربي وطرح سؤالاً: هل تكون جامعاتنا في تصنيف الجودة أو في قوائم الاعتماد الأكاديمي في أمريكا وكندا.

وأجاب عن هذا السؤال الدكتور عبدالله العثمان، مؤكداً: إننا نحتاج إلى برامج الاعتماد الأكاديمي وأيضا مؤشر شنغهاي، وأقترح أن تتحول جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن إلى جامعات بحثية.

وتطرق الدكتور عبدالله العثمان إلى التعاون مع جامعة الملك عبدالعزيز بصندوق بحثي قيمته عشرة ملايين ريال، ثم طرح الزميل خالد الحسيني سؤالاً عن علاج السرطان؟ وأجاب الدكتور عبدالله العثمان بأن هناك بحثاً مشتركاً مع إحدى الجامعات العالمية وهناك بحث عن الحيوانات وهذا البحث في المرحلة الأولى وسوف ينتقل إلى المرحلة الثانية ونشر البحث في أمريكا وسنواصل البحث فيه. وطرح سؤال عن تصنيف التايمز وبين أن ما يحكم على قوة التصنيف هو المعايير، وأن جامعة الملك سعود تريد أن تكون جامعة بحثية، وطرح فكرة عن عناصر الجودة، والجامعة أخذت تصنيف شنغهاي؛ لأن فيه كل المقاييس.

وطرحت الأستاذة فريدة سعد سؤالاً وهي إحدى خريجات جامعة الملك سعود أو الرياض سابقاً، وأكدت أن الجامعة معترف بها، وطرحت فكرة إتاحة الفرصة من الطلاب المتميزين للدراسة في جامعة الملك سعود، مؤكداً أن هناك فرصة للطلاب العرب المتميزين للدراسة في الجامعة.

الدكتور محمد عبده يماني رجع بالذاكرة إلى بدايات جامعة الملك سعود وكيف دخلوا الجامعة؛ لأنهم حرموا من الابتعاث وكيف بدأوا في كلية العلوم وعددهم لا يزيد على عشرة طلاب، وكيف كانت الجامعة لا يوجد فيها ميكروسكوب، وبنيت الجامعة على أكتاف عبدالرحمن عزام وناصر المنقور، وكيف بدأت الجامعة بسيطة في قبولها للطلاب وفي مظهرها، وكيف تطورت الجامعة الآن، وهنأ الدكتور عبدالله عبدالرحمن العثمان على جهوده في تطوير جامعة الملك سعود، وقال: إن الجامعات يجب أن تقدم إلى معاهد فنية تستوعب هؤلاء الطلاب المنتشرين في الشوارع، وتحدث عن ظاهرة التسرب من الجامعات، وكيف يمكن أن تقوم مسيرة كبيرة، وقد فرحنا بخطواتك بتحويل الجامعة إلى مراكز بحث، فالأستاذ مطالب اليوم أن يقدم أبحاثاً، ونحن نعتز بمسيرتك وأرحب بك مرة أخرى والحمد لله.

وكانت بداية الأمسية للأستاذ عبدالمقصود محمد سعيد خوجه الذي قدم عرضاً عن الجامعة والضيف قال فيه: بفيض من الحب وألق المعرفة نلتقي، احتفاءً متفرداً في معناه وسمو مرماه، نجثو على الركب على بساط كل قلعة من قلاع العلم والمعرفة، نمد جسومنا جسراً للتواصل مع كل أوعية الفكر، ورواد صناعة المستقبل.. نحيي بكل الود والتقدير معالي الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن العثمان، مدير جامعة الملك سعود، الذي نسعد معه بهذا اللقاء، مترسمين هدف «الاثنينية» الأعظم في أن نقول ببساطة كلمة «شكراً» لمن يؤدون رسالتهم كخير ما يؤديها الرجال الموفون بعهودهم، الصادقون في توجهاتهم، المنكرون ذواتهم من أجل الغايات الأسمى والأهداف النبيلة.. ونسهم في ذات الوقت بتوثيق هذه المسيرة المجدولة بالخير والعطاء. نقف في رحاب جامعة الملك سعود؛ فتتداعى إلى الذاكرة حلقات من العطاء المميز الذي بدأ شأن كل البدايات الصعبة متواضعاً يتلمس طريقه نحو الشمس.. في وقت كان الحقل شاسعاً، والبون واسعاً، وشح الإمكانات يوصد الكثير من أبواب الأمل.. ندرك أبعاد الصورة عندما نعود إلى تاريخ إنشائها في 14 ربيع الثاني 1377هـ الموافق 6 نوفمبر 1957م.. العزيمة وحدها كانت المعول الذي يتكئ عليه الرجال لمجابهة الصعاب.. فما وهنوا وما استكانوا؛ فقد وظفوا العلم والإيمان لتحقيق الأحلام الكبيرة، ولاذوا بالعمل في صمت ليدرك الوطن والمواطن بعد حين أن النبتة الغضة قد استوت على ساقها، أصلها ثابت وفرعها في السماء، عملاً وقولاً.. تقهقر ظلام وانبلج فجر جديد.. وقد كان لي حظوة وشرف حضور حفل افتتاحها، ومواكبة مسيرتها حتى يومنا هذا، وإلى أن يأذن الله. في عام 1429 - 2008م دخلت جامعة الملك سعود منظومة أفضل خمسمائة جامعة في العالم بحسب تصنيف «شنغهاي» المعروف، حيث تتم مراجعة أكثر من ألفي جامعة حول العالم، ويتم التصنيف الفعلي لألف جامعة منها، ولكن يتم نشر الخمسمائة الأوائل فقط.. وإنه لفضل لو تعلمون عظيم.. إنجاز لم يحدث صدفة بالتأكيد؛ فهو نتاج تخطيط وبحث وعمل تراكمي دؤوب، في ساحة تحاصرها التحديات من كل صوب؛ ذلك أن إدارة الجامعات ليست من طراز إدارة الشركات والمؤسسات التي ترتفع أسهمها مع زيادة المبيعات واختراق الأسواق، بل تتعامل مع صفوة الصفوة من العلماء والمفكرين والطلاب.. وكل منهم عالم قائم بذاته بما لديه من مواهب، وخلفيات ثقافية، منحته موطئ قدم في هذا الصرح العملاق.. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

الأداء الأكاديمي الرفيع، رغم أهميته، لم يكن الهم الأوحد في أجندة الجامعة، لكن معادلاتها شملت متغيرات أخرى مثل «مراكز البحث» التي أضحت البعد الحقيقي لتلامس من خلاله شجون المجتمع إسهاماً مقدراً في إيجاد الحلول العلمية الناجعة لمعضلات اقتصادية واجتماعية وصناعية غيرها.. وبهذا المفهوم صارت الجامعة حياة في حياة.

ولم يقف مدها عند شواطئ الأمل القريب، بل تعدت ذلك لتصبح مصدر إشعاع سامق، مقتطعة بعض فروعها لتغرس جامعات مستقلة في مناطق أخرى من هذا الكيان الحبيب، كان قيام جامعة تضم شمل أبنائها وبناتها حلماً بعيد المنال.

وفي هذا السياق نهنئ أنفسنا بالاتجاه التصاعدي الذي ارتقى بعدد جامعاتنا إلى أكثر من عشرين جامعة بعد أن تكدس أبناؤنا زمناً طويلاً، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت في ظل سبع جامعات؛ فالتمسوا طلب العلم في معظم دول العالم، غنيها وما دون ذلك، متطلعاً أن يزيد عدد الجامعات بما يواكب النمو السكاني للمملكة والمقدر بـ 2.24% وهي من أعلى المعدلات العالمية.. فزيادة عدد الجامعات يعني الحد من هجرة أبناء وبنات القرى والمدن الصغيرة إلى المراكز الحضرية؛ وبالتالي توطين الكفاءات وخلق فرص عمل أوسع، وتشجيع مواصلة التعليم الجامعي والعالي للبنات، وظهور نوابغ في شتى المجالات ربما طواهم النسيان بسبب انكماش التعليم الجامعي.

إن التعليم الجامعي لم يعد ترفاً، بل أصبح الحد الأدنى الذي ينبغي أن يطمح إليه كل مواطن في بلد يتربع على أكبر الثروات النفطية في العالم.. ويشحذ من هذه الهمة العالية وجود أعداد مقدرة من الخبرات الأجنبية التي تسهم في إدارة دفة العمل ومسيرة التنمية، ولا بد أن تتحمل الأيدي الوطنية مسؤوليتها بنهضة علمية وعملية تغطي النقص الحاد، خصوصاً في مجالات التقنية والطب، بمختلف درجاتها وتخصصاتها.. ويحدونا الأمل في أن يستمر النهج الحالي وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي، دون الاستغناء بطبيعة الحال عن الابتعاث الخارجي لاكتساب مزيد من المهارات والاحتكاك بالآخر.

ولي وقفتان أود التركيز عليهما مع ضيفنا الكريم باعتباره صاحب أوليات، وآمل أن تضافا إلى منجزاته؛ أولاهما: مسألة المناهج العلمية، سواء في التعليم العام أو الجامعي؛ فهي دون شك في حاجة ماسة إلى مراجعة شاملة تغوص في العمق وجراحات مؤلمة، تبتر وتزرع مختلف الأعضاء وفق متطلبات المرحلة، وليست مجرد معالجات تجميلية.. وأهيب بمعالي ضيفنا الكبير ورفاق دربه مديري الجامعات الأخرى العمل يداً بيد مع وزارة التعليم العالي لإنجاز مثل هذه الجراحات الكبيرة التي تتوقف عليها مسيرتنا الجامعية؛ لأن أي تمدد أفقي إن لم تواكبه حركة تصحيحية سيكون عوداً أعوج لا يلقي إلا ظلاً مشابهاً.

والأخرى تتعلق بمسألة تقاعد الأكاديميين؛ ففي كل العالم المتقدم يظل الأكاديمي منبع عطاء علمي متجدد؛ فكلما تقدم في السن زادت خبرةً واطلاعاً وتجارب تثري المشهد العلمي.. وأناشد من هذا المنبر وزارة التعليم العالي، وغيرها من الجهات المعنية، إعادة النظر في مسألة سن التقاعد بالنسبة للأكاديميين؛ حتى لا نحرم وطننا وطلاب وطالبات جامعاتنا حصاد سنوات من البذل والعطاء لعلماء يحتفي العالم المتحضر بنظرائهم، ويمنحهم كل ما يلزم، احتراماً وتقديراً للعلم والعلماء.






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد