إن تخلت الأسرة عن معظم أدوارها الحيوية وأوكلت للمدرسة والشارع ووسائل الإعلام القيام بأدوار تربوية وتعليمية وتثقيفية، فإن ذلك يعد مؤشراً خطيراً على بيئة الطفل وثقافته التي تعتمد اعتماداً كلياً على ثقافة الأسرة، بما تحويه من العادات والقيم والمعتقدات وأساليب السلوك والعلاقات بين أفرادها والأدوار المناطة بكل فرد والتقنيات التي ينبغي نقلها وتعليمها لأبنائها والتكيف معها بما يعطي الحياة نمطاً واضحا ومحدداً، ويمنح الطفل الأمن والارتياح.
وثقافة الأطفال واعتقاداتهم ووعيهم بما يدور حولهم تتصل عادة بالتنشئة الاجتماعية انطلاقاً من ثقافة مجتمعهم وتقاليده وتاريخه وعاداته التي تميزه عن غيره. وينشأ الطفل متشبعاً بهذه التقاليد والعادات التي ورثها من أسرته، برغم أن بعض الثقافات سيئة وينبغي للأسر تجنب انتقالها إلى أبنائهم، مثلما ينبغي الحذر من انتقال ثقافات رديئة من قبل أقرانهم. وليس أجمل من ترسيخ ثقافة ناضجة في نفوس الأبناء تحترم حقوقهم.
وينبغي التركيز على ما يواجه الأطفال من مصاعب وحوادث في حياتهم وبيئتهم لتأثيرها في تنشئتهم، مع الأخذ بالاعتبار أن المشكلات البيئية المتعلقة بنمط حياتهم ليست مسؤولية هيئات حكومية بقدر ما هي مسؤولية أسرهم كأفراد راشدين. وعليه، لابد أن يدركوا ما يحيط في تفاصيل حياة أبنائهم وتعاملهم مع البيئة؛ لأن التعامل معها بشكل سليم هو ما يخلق عادة لدى الطفل الشعور بالأمن الذي يحتاجه بشدة في كل جوانب حياته التعليمية والفكرية والعاطفية والاقتصادية، كما يحتاجه عند مواجهته مختلف الحوادث.
وقد أشارت دراسات نفسية إلى تأخر النمو الجسدي لبعض الأطفال عند حد معين في حالة انعدام الأمن النفسي، حيث يصاب الطفل بعسر الهضم ويبدو عليه الهزال والنحول وبالتالي الخور، عدا مشاعر الخوف والنظر للحياة بوحشة وارتياب. وبدلاً من أن يكون عضواً فعالاً في المجتمع سيكون مشروعاً لمواطن عاجز عن أداء دوره فيه.
والأطفال عادة هم الأكثر عرضة للحوادث البيئية، وبرغم ذلك قد ينسى الآباء أو يتجاهلون ضرورة تثقيفهم وإرشادهم بأمور السلامة البسيطة التي قد تنقذهم من خطر محقق حين يكونون بمنأى عن والديهم وقت وقوعه. فيجدر تعليمهم أرقام الطوارئ في البلد الذي يقطنون فيه، والوقت والظرف المناسب لاستخدامها. كما ينبغي إشعار الأطفال بالأمن عند عدم تواجد والديهم معهم وتدريبهم على حفظ أرقام هواتف آبائهم وعنوان سكنهم بكل وضوح، أو ترك ورقة مدون فيها العنوان وأرقام الاتصال تحسباً لأي طارئ، وهذا من شأنه جعل الطفل يتعايش مع بيئته المدرسية أو الخارجية براحة وأمن، فالإحساس بالأمن ضروري لنمو الطفل جسدياً وعاطفياً وخلقياً.
ولابد من التأكيد على أن حاجة الطفل إلى الأمن في وقت غياب والديه أو تقصيرهم قد يلجئه للبحث عنه من لدن أشخاص آخرين، وهذا كفيل بإبعاده عن أسرته وحضنها الدافئ والانفصال عنها تدريجياً، والثورة على النظام الأسري. وهو ما يجر لمفاسد أخلاقية وسلوكية ويجعل لديه القابلية لممارسة بعض التصرفات المرفوضة كالادعاءات الكاذبة والتمرد على سلطة الأسرة وعصيان أوامرها، والهروب من المنزل.
ويجدر بالأسرة تعميق الأمن النفسي لأبنائها بمنحهم مساحة واسعة من الحوار الخلاّق والنقاش البناء وتجنب الكذب عليهم أو استغفالهم، وضرورة التعامل معهم باحترام وصدق، وإشعارهم بالاستقرار وتوفير الملاذ الآمن لهم بشكل دائم والتأكيد على طلب اللجوء للوالدين في الشدائد، والعمل على رفع المعنويات بصورة تسمح للطفل بأن يرتمي في أحضانهم عند شعوره بالخطر. حيث يمكن لعامل الأمن توفير الأجواء الملائمة للحركة والنشاط والمساهمة في إيقاد النشاط الفكري وتوجيهه نحو مجالات مفيدة، ودفعه إلى الأمام وهذا من شأنه خلق بيئة اجتماعية آمنة لأحبابنا، بعيداً عن العنف الأسري، مع ضرورة تفعيل ثقافة وطنية تحترم حقوق الأطفال ليعم الأمن محيط الطفولة البريء.
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com