أحياناً يدفعك فضول العقل إلى التساؤل فيما الإنسان هو في غنى عنه، أو لا طائل من وراء بحثه واستقصائه إلا بمقدار ما يجلب عليه من القلق الفكري، والانسياق وراء الشبهات، وقد يستدرك الإنسان نفسه قبل الانزلاق في المتاهات على نحو ما وجدناه في قول (القروي)، وقد جرّته الفلسفة الوجودية: |
حاولتُ ترويضَ عقلي فاندفعتُ به |
في مدحضٍ زَلِقٍ بالعبقرياتِ |
فخذ بكفي ولا تُغضبك فلسفتي |
وعدّها لي من بعض الحماقاتِ |
مع هذا الاستدراك الذي يعبّر عن رأيه فإن إعمال العقل البشري، ومحاولة توسيع المدارك ليس من الحماقة، بل مما يندب إليه ويحث عليه، وما تأخرت بعض المجتمعات إلا بعد الاستسلام للنقل، وتقديمه على سلطة العقل. |
على أيّة حال، ومن قبيل هذا الجدل، البحث عن (الأسانيد) في بعض آراء العلماء، فما أكثر ما نسمع رأياً أدلى به (الحنابلة)، أو (الشافعية)، أو (الأحناف)، أو (المالكية)، أو غير ذلك من العلماء، وهو مقبول يستسيغه العقل، ويقبله على طاولة البحث والنقاش، إذ إن التعريف بالراوي، أو الرأي، والنظرية بالمصطلحات العلمية الحديثة من شأنه أن يخضع النص، أو راويه للمحكات العلمية التي وضعها (الأصوليون) للتأكد من صحة وسلامة الأحاديث، من باب الاطمئنان عليها من التضعيف، أو الجرح، كما هو معلوم عند أهل (الحديث). لكن (الإسناد) محل النقاش، والذي عادة ما تكتنفه الضبابية، أو على الأقل لم أصل فيه إلى جواب شافٍ وكاف هم من يسمّون ب(جمهور العلماء)، فكلمة (جمهور) مدلولها اللغوي واسع وكبير، ولا أدري متى استخدم هذا التعبير في (الأسانيد)؟، ومن المقصود ب(الجمهور) بالتحديد ؟ هل هم أصحاب المذاهب (الأربعة)، أو (تلامذتهم)، أو من هم في دونهم ؟ |
في هذا العصر، وبالذات في (المملكة العربية السعودية) تزول كثير من الإشكالات، إذا ورد التعبير : وعلى هذا رأي (هيئة كبار العلماء)، وبخاصة إذا قيّد بفترة زمنية محددة، باعتبار ذلك معروفا لدى الجميع من هم المكلفون بالهيئة في تاريخ محدد. أما في القرون السابقة، وفي عصر ازدهار المذاهب، وبروز علماء في القياس، والاجتهاد، والفتيا، وكثرتهم حينذاك فإن الأمر بالنسبة للكثير مثار تساؤل وإشكال، وبخاصة أنه قد يبنى عليه في هذا العصر الكثير من الأحكام والرؤى والتصورات، وبالذات إذا سيطرت (المؤسسات الدينية) على مفاصل القرار، ووقفت سدا منيعا في حركة التجديد والتطوير، إما تحوّطاً، أو ورعا، أوسداّ للذريعة، ولهذا لم يكن غريبا على بعض الدول الإسلامية في بعض قضاياها أن تستنجد بالمفتين من خارج القطر أحيانا، كسرا للاحتكار، وخرقا (للقاعدة) التي توكل الفتيا في بعض القضايا لأهل ذلك القطر ماإذا أرادت التخلص منها لأي سبب. |
قد تجدنا نخوض، ونستخدم (الأسانيد) إلى (جمهور العلماء) في موضوع لا فائدة، أو جدوى من طرحه، كما هو الحال في الخلاف على المتوفى من (إنفلونزا الخنازير) هل هو شهيد، أم غير شهيد؟ المستفيد من ذلك في رأيي هو (وزارة الصحة) التي قد تمتص الغضب، بهذه العبارة، مواساة لأهل الفقيد، أما غيرها فهم يريدون الأحكام الفقهية المترتبة على كونه شهيدا من عدمه، حقيقة لم نجد شيئا من هذا، أو مبررا للخوض فيه سوى أن نعزو ذلك، إما لفراغ مسيطر، أو هروب من قضايا أكبر. عموما أنساني الحديث في هذا أننا لقّنا في كثير من قضايانا (أن الإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة). ا - هـ |
|