أتيحت لي الفرصة هذه الأيام برؤية المذيع اللامع الدكتور بدر كريم في إحدى القنوات الفضائية. ولا شك أن بدر كريم يعتبر واحداً من المذيعين البارزين في فترة الثمانينيات والتسعينيات الهجرية من القرن الماضي ليس فقط على مستوى المملكة بل على المستوى العالم العربي.
ويتمتع بدر كريم بمواهب نادرة في الأداء والحوار والحضور والاسترسال ورخامة الصوت. ولهذه الأسباب فقد عين بوظيفة «كبير المذيعين» بإذاعة المملكة العربية السعودية في جدة. وتجدر الإشارة إلى أن بدر كريم يتمتع بثقافة عالية منذ بداية عمله مذيعاً يفوق مستوى المؤهل الذي كان يحمله في ذلك الوقت.
كان بدر كريم مشهوراً وله معجبون كثر من المستمعين والمشاهدين، ولعل أشهر البرامج الإذاعية التي كان يقدمها برنامج «في الطريق» الأسبوعي وهو عبارة عن مقابلات تجرى مع الناس في الطرقات والشوارع بجدة وغيرها وإن شئت قل مع «رجل الشارع». كما كان يقدم برنامجاً آخر لا يقل أهمية عن الأول وهو برنامج «تحية وسلام» الأسبوعي وهو عبارة عن اتصالات هاتفية مع المبتعثين السعوديين في الخارج. كما كان يقدم نشرات الأخبار والمقابلات والتعليقات السياسية وغيرها. ومن أهم الأدوار التي أسندت إلى المذيع بدر كريم أنه كان مذيع الوفد الإعلامي الذي كان يرافق الملك فيصل -رحمه الله- في زياراته الخارجية والداخلية.
وفي عام 1385هـ عندما كنت يافعاً في الصف الخامس الابتدائي بالمدرسة الرحمانية زار المذيع بدر كريم البكيرية وأجرى لقاءات عدة مع عدد من الأهالي ومع طلاب من المدرسة المتوسطة، وهي أعلى مرحلة تعليمية فيها بالإضافة إلى ثلاث مدارس ابتدائية، وقد أذيعت تلك اللقاءات في برنامج «في الطريق». وكانت البكيرية في ذلك الوقت صغيرة ومبنية من الطين ما عدا «العمارة» وهي المدرسة العزيزية التي غير اسمها فيما بعد، ومع ذلك كنا نسميها «مدينة البكيرية» ولا نرضى بغير هذا بديلاً ربما لمحبتنا لها وربما لصغر أعمارنا. وكانت أطوال البكيرية في تلك الفترة لا تتجاوز كيلين اثنين من الشمال إلى الجنوب وكيلاً واحداً من الغرب إلى الشرق بدون المزارع.
وقد أدى بدر كريم صلاة الجمعة في الجامع الوحيد الواقع في السوق في وسط البكيرية. وكان سوق البكيرية عبارة عن شارع لا يتجاوز عرضه خمسة أمتار ويخترقها مع وسطها من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق ويقسمها إلى جزءين شمالي وجنوبي وتقع عليه الدكاكين وفي آخره من جهة الشرق يقع سوق النساء. وفي وسط هذا الشارع توجد باحة دائرية تقع عليها الدكاكين أيضاً خصصت للبيع والشراء حيث تمتلئ بالناس يومياً عصراً وبعد صلاة الجمعة. وقد وقف بدر كريم في هذه الباحة بالقرب من مكتب الخطوط السعودية آنذاك وهو يرتدي مشلحاً أسود ونظارات سوداء أيضاً ينظر إلى ما يجري في هذه الباحة. كما كان الناس ينظرون إليه نظرتهم لوزير أو أمير.
وكانت تلك الباحة يوم الجمعة مكاناً رائعاً للناس يرى بعضهم بعضاً ويشتري بعضهم من البعض الآخر. وأتصور تلك المناظر في هذه الباحة الصغيرة ماثلة للعيان أمام ناظري الآن فتجد سيارة محملة بالحطب وسيارة أخرى محملة بالفاكهة والخضار وسيارة ثالثة يبحث صاحبها عن ركاب إلى بريدة أو الرياض. كما تجد الأغنام والماعز والإبل معروضة للبيع. وتجد أيضاً من يعرض أنواعاً من عينات التمور والإقط والسمن البري والحبوب والبذور وغيرها. أما الشباب والأطفال فكانوا يقومون ببيع الدجاج والحمام والبيض. وكان هناك رجل متخصص يقوم بدور الإعلامي وينادي بأعلى صوته «من عَيّن الذاهبة؟» بفتح العين وتشديد الياء ويقصد بالذاهبة الشيء الضائع كأن يكون نقوداً أو ذهباً أو ماشية أو غير ذلك.
أما اليوم فقد تغيرت البكيرية وأصبحت مدينة فعلاً. فالجامع أعيد بناؤه وتمت توسعته ولم يعد وحيداً بل تبعه خمسة أخرى، وشارع السوق أصبح عرضه ثلاثين متراً، والباحة الصغيرة تضاعفت مساحتها عدة مرات. كما تتوفر بمدينة البكيرية جميع الخدمات والمرافق الحكومية ومنها على سبيل المثال: الطرق السريعة، والشوارع الفسيحة، والعمارات الشاهقة، والمحلات التجارية الكبيرة، والمنتزهات الجميلة، وعدد من الكليات الحكومية والأهلية، ومستشفى وعدد من المستوصفات الحكومية والخاصة، وفندق رائع من فئة خمسة نجوم.
ومن الملاحظ أن مدينة البكيرية قد توسعت من جميع النواحي حتى أصبحت تمتد عشرة أكيال تقريباً من الشمال إلى الجنوب وخمسة أكيال تقريباً من الغرب إلى الشرق عدا المزارع والاستراحات. وقد فازت مدينة البكيرية بجائزة المدينة الصحية الأولى على مستوى المملكة في مسابقة أقيمت في اليابان قبل بضعة أعوام. وأصبحت تتميز ب»هدوء القرية ومتطلبات المدينة» كما عرفها الإخوة في موقع منتدى البكيرية.
إن تطور مدينة البكيرية تم بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل الدعم السخي الذي حظيت به مدينة البكيرية من حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز وسمو أمير منطقة القصيم الأمير فيصل بن بندر وسمو نائبه الأمير فيصل بن مشعل. كما كان لجهود أهالي وأعيان البكيرية دور كبير في تطوير البكيرية من خلال مشاركتهم الفعالة في البذل والعطاء.