Al Jazirah NewsPaper Thursday  07/01/2010 G Issue 13615
الخميس 21 محرم 1431   العدد  13615
 
الحبر الأخضر
معقول (27500 دولار) !
د. عثمان بن صالح العامر

 

قرَّرت الحكومة الأمريكية مطلع هذا العام تغريم شركات الطيران الداخلي التي تتسبب في تعطيل المسافرين، وذلك بعد أن رصدت وزارة النقل الأمريكي 1500 واقعة تأخير لركاب الرحلات الجوية الأمريكية لأكثر من ثلاث ساعات خلال عامي 2007، 2008م، الأمر الذي دفعها لمطالبة الحكومة باتخاذ قرار يحفظ للركاب حقهم في المحافظة على أوقاتهم ومن ثم الوفاء بمواعيدهم، وبالفعل صدر قرار الحكومة الأمريكية هذا الذي ينص على إلزام شركات الطيران الأمريكية بدفع غرامة مالية 27500 دولار لكل راكب تتأخر رحلته لأكثر من ثلاث ساعات، وزير النقل الأمريكي كما تنقل الصحف قال في تعقيبه على هذا القرار (إن كل الركاب أصحاب حق وهذا القانون من شأنه أن يجبر شركات الطيران على حسن معاملة زبائنها)، أعرف أنني لن أحصل على مثل هذا المبلغ ولا قريب منه حتى ولو ألغيت الرحلة أو تأخرت أكثر من ثلاث ساعات، وأعلم أن العذر لدى العاملين في خطوطنا الجوية جاهز مقدماً وفي كل الظروف والأحوال، ولكنني أقرأ هذا الخبر قراءة أخرى لا تختزل الحدث في دلالته الظاهرة التي بين أيدينا ولكنها تلقي بظلالها على سلوكياتنا في الحياة برمتها وبرامجنا اليومية بلا استثناء.

إن الدافع الحقيقي والسبب الرئيس الذي من أجله اتخذ هذا القرار الصارم هو المحافظة على وقت الإنسان ومساعدته للالتزام بمواعيده كما هي، وهذا فارق جوهري بين عالمين يوصف أحدها بالأول ويوصم الآخر بالثالث المتخلف. لقد تكررت على مسامعنا ومنذ الصغر وفي جميع محاضننا التربوية آيات وأحاديث وأبيات من الشعر الفصيح والشعبي وتجارب وحكايات كلها تُذكّر وترشد وتبيّن أهمية الوقت ووجوب المحافظة عليه وشرعية الالتزام بالمواعيد، ولكن واقعياً كثير منا يعجز عن أن يكون كما يريد هو في هذا المسلك الأخلاقي الراقي فضلاً عن أولئك الذين لا يعرفون للوقت قيمة، بل هم يعلنون أنهم هنا أو هناك لتضييع الوقت لا غير.

الأمر الآخر الذي أحب التعريج عليه في هذا المقام هو الإشارة العجلى إلى أن الزيادة التي أعلن عنها في الأيام الماضية من قبل الخطوط الجوية السعودية على مقاعد درجتي الأولى والأفق هي بصدق مؤشر على عدم الاكتراث بواقع الخدمات التي يحصل عليها الراكب على متن خطوطنا الداخلية وفي هاتين الدرجتين بالذات فضلاً عن السياحية سواء في المطار «قبل الإقلاع» أو على متن الطائرة أو حتى بعد الوصول وحين النزول واستلام العفش، ولذا هذه دعوة مواطن لمتخذي القرار في هذا المرفق الخدمي الهام، تذكّروا أننا أناس لنا حقوق وما يقدّم لنا مهما كان هو بمقابل وليس منَّة ولا فضلاً من أحد، تذكَّروا أن عندنا ظروفاً ومواعيد ومعنا ومن بيننا العاجز والمريض وذو العوز والحاجة، وأنت أخي القارئ الكريم تصور لو أن هذه الغرامة طبّقت في المملكة العربية السعودية على شركات الطيران، ماذا ستكون الحال عليه بعد ساعات من إعلان القرار، هل سيكون القدر حاضراً في كل حالة تأخير أم أن التعامل مع الظروف والأحوال سيتغيّر خوفاً من المقاضاة ومن ثم التغريم؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد