حدثتني فاطمة وهي تجهش باكية لماذا كلما أرادت أن تتفاهم مع صغارها تختلف معهم، وكلما تقترب منهم يبتعدون عنها، وكلما تعطيهم يأخذون ويجحدون, هي تحن وهم يقسون، هي تتحدث وهم يتطاولون، هي تتهذب وهم يجهرون..
سألتها عن أعمارهم، فإذا هم في أعمار.., لها من الخصائص ما لا تتفهمها، ومن الطموحات ما لا تفكر هي فيها، ومن الفروق الشخصية ما يغيب عنها،..
وجدتها لا تحسن الوقت الذي تتحدث فيه إليهم معا، أو مع كل منهم على انفراد، فحين تنصح فبحضورهم جميعهم، وحين تلوم فالجميع منهم يتلقى اللوم ذاته، تدع المواقف تتراكم في داخلها, ثم تطرحها في وقت واحد، وهذا لا يتناسب مع خصائص الأعمار, ولا سمات الأجيال، ولا الثقافة المختزنة، ولا الخبرات الفاعلة، ولا الوعاء الوجداني، ولا مستويات الإدراك فيهم،.. فمن حيث هي على حق، فهم كذلك على حق، ومن حيث يخطئون فلأنها تبسط لهم ليفعلوا, بفتحها الثغرات التي ينفذون منها، دون أن تكون على نباهة وحضور ملاحظة.. متى وكيف ولمن فيهم ومع من فيهم يحضر الموقف, كان نصحا أو ردعا، تعليما أو عطاء،...
فاطمة كانت تحسب أن أبناءها عاقون, فإذا هم معبرون بوضوح، كما تحسب أنهم ظالمون في مواقفهم، بينما هم واثقون من حريتهم، ومن حقهم في أن يقولوا ويفعلوا..,
نسيت فاطمة أن أبناءها قد خلقوا لزمن ليس زمنها، وأنهم يحتاجون لأن تتكيف هي عند أي قول أو فعل مع ما يحيط بهم، ومع جميع تكويناتهم, وتركيباتهم..
أجل، هي من حملت وولدت، وهي من ربّت ونشَّأت، غير أن هناك تيارات كثيرة قد تداخلت معها خارج عن يديها، فأبناؤها لهم أجنحة طارت بهم خارج المحضن، فنزلوا على أشجار كثيرة، وتذوقوا من ثمارها, فسرت في دمائهم بما لا يحسن منها أن تتغافل عنه حين تجلس لأفراد من البشر هم أبناؤها، غير أنهم أبناء زمنهم...
فاطمة مسحت دموعها وهي تعد أن تلغي عن عينيها تلك النظارة التي تحصر رؤيتها لأبنائها داخل جدرانها فقط.