منذ صغري كنت مغرماً بالقراءات عن علمائنا وفلاسفتنا وروادنا العرب الكبار .. وطالما أعجبتني عبارة الرئيس .. حيث ترتبط باسم ابن سيناء أحد عباقرة العلماء المسلمين المتقدمين لما له من أيادٍ في الطب والقانون والموسيقى !! وفي الوقت الحاضر أود أن أطلق عبارة الرئيس المؤسس على الأخ الكبير حمود بن سعد البراهيم، لما له من سبق وريادة في إطلاق عدد من الأفكار والرؤى التي أدى بعضها إلى تأسيس عدد من المشاريع والشركات التجارية والاجتماعية المرموقة والمنتشرة في أنحاء وطننا الكبير.وبعضها للأسف لم يوفق للاستمرار بسبب من أنيط به إدارتها.
وبدايةً يسعدني التنويه والكتابة عن الدور الأساسي و الكبير الذي قام به “أبو سعد” في تأسيس وإدارة شركة بنده المتحدة، في عام 1978 م . وفي تأسيس ومشاركة ودعم شركة هرفي للخدمات الغذائية في 1981 م بحيث أصبح ولله الحمد عدد فروع هاتين الشركتين ما يربو على مائتي فرع في الوقت الحاضر,ويعمل فيها ما يقارب عشرة آلاف شخص، ومبيعاتها بآلاف الملايين, وهما من أوائل الشركات الوطنية، المدارة بأيدٍ وطنية , في مجال الأسواق المركزية “السوبر ماركت”, والمطاعم السريعة “الفاست فود” بل إني أعتبرهما الشركتين المؤسستين للسعودة والجودة في هذين المجالين التجاريين،وهما مجالان متخصصان ومهمان جداً.
كانت معرفتي بالأخ الرئيس المؤسس حمود البراهيم في أوائل عام 1981م حيث قدمني إليه شقيقه إبراهيم بن سعد البراهيم . سفيرنا الحالي لدي دولة الإمارات العربية المتحدة وزميل دراستي للماجستير في جامعة جنوب كاليفورنيا . وذلك بعد تركي عملي في إدارة مخابز وفندق السلمان في بريده. وعودتي إلى مدينة الرياض وهي تتدرج في رقيها وتوسعها التجاري والعقاري متأثرة بالانتعاش المالي الكبير الذي صبه في شرايينها الارتفاع الهائل في أسعار البترول من بداية عام 1974، وقبل معرفتي بالأخ أبو سعد كان قد قام بتأسيس مؤسسة بنده المتحدة مع مجموعة كريمة من زملائه ومعارفه، من رجال الأعمال، والموظفين في الدولة، وكان عدد فروع بنده وقتها فرعين، أولهما في شارع الأمير سلطان (الثلاثين) بالعليا، وثانيهما في الملز في بداية طريق خريص. وكانت مقابلتي الأولى مع أبو سعد وأخيه إبراهيم أبا بهيج , في مقر إدارته فوق بنده الثلاثين بالعليا، ولا أعرف حقيقةً الآن من منّا عرض على الآخر القيام بتأسيس شركة مطاعم شراكة بين مؤسسة بنده وبيني. ولكن الذي أذكره الآن، أن أفكارنا وطموحاتنا ورغباتنا قد اتحدت وتطابقت في ذلك اللقاء المبارك لتأسيس شركة مطاعم وطنية، وهذا ما كان بكل يسر وسهولة في الاتفاق والتأسيس 70% لبنده و30% لأحمد السعيد ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ولما قبلت بأقل من 50% من شركة هرفي ولكنني ولله الحمد قانع وراضي بما قسمه الله، رغم سؤال أبنائي وبناتي المتكرر لماذا يا بابا لا تملك سوى 30% في شركة هرفي عفواً عن كونك مؤسس رئيسي ومدير وقائم بالعمل والجهد والفكر الرئيسي مع شركائك منذ تأسيس هرفي؟ وكان جوابي لهم يا أبنائي يكفيني نجاح هرفي ويكفيني رضا الله ثم رضا والدتي وأهلي ورضا شركائي ابتداء بالأخ حمود البراهيم , ثم صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز وفريقه للعمل خلال (93- 98 ) ثم معالي المهندس عادل فقيه وزملائه في إدارة شركة صافولا (98-2010) وثقتهم بي وإطلاق يدي وفكري لبناء هذا الصرح مع زملائي الكرام بإدارة هرفي جزآهم الله جميعا كل خير .
فالنجاح يا أبنائي وإخواني وقبله يسر وسماحة التعاقد والتعامل، مهم جداً، ويحسب لأخي الكبير أبو سعد دور كبير فيه، بصرف النظر عما صاحب إدارة العمل بعد ذلك من مشاق وصعوبات ومعاناة بعضها لذيذ وبعضها مر ولكن مفيد. وفي جميع الأحوال فلقد كان المولى عز وجل بجميع الخطوات والمراحل هو المدبر والمعين والنصير، له المنة والفضل، وله الحمد والشكر.
ومما يحسب لاستأذنا الكبير حمود البراهيم ، سواء في عمله في إدارة مؤسسة بنده المتحدة ومن ثم في شركة بنده المتحدة ذات المسئولية المحدودة، أو في بنده المتحدة الشركة المساهمة العامة، هو طموحه اللا محدود، وفكره الاستراتيجي المتميز، وحسه الوطني المتقدم، في إدارة أعماله، وتوجيه العاملين معه، واستقطاب السعوديين للعمل، قبل أن تنهض بهذا الدور وزارة العمل، بل وتجده في الهدف من العمل لديه والتجارة بوجه عام مع تفضيل المنتج الوطني.
ومن ناحية الطموح فإنني أذكر أنه كان يخطط لأسواق بنده أن تكون شركة مساهمة بمئات الملايين، وأن تكون سلسلة كبيرة وطويلة من الأسواق تغطي كافة مدن المملكة، في ذلك الحين، عندما كانت غالبية الشركات المساهمة مقتصرة على البنوك وشركات الاسمنت وسابك، وكنت أتساءل لماذا يريد أبو سعد لهذه البقالات الكبيرة أوالسوبر ماركت تجاوزاً أن تكون شركة مساهمة، وهل يقبل الناس على المساهمة بها، وهل تنجح الفكرة؟ وأذكر أنه من خلال بندة مساهم وشجع بحسه الوطني والتجاري على الدخول شريكاً ومؤسساً في شركات وطنية عديدة في ذلك الوقت، منها ما نجح وأصبح له سمعة كبيرة ومساهمة في الاقتصاد الوطني، مثل شركة ديمه للأغذية، والشركة الوطنية للأسواق، ولا ننسى هرفي طبعا وقبلها بنده نفسها . وغير ذلك من الشركات، والشراكات “مثل” شراء ثم إسناد إدارة مزرعة كبيرة بالخرج لأحد الشباب السعودي لكي يقوم بتوريد الخضار لأسواق بنده وتشجيع بعض المواطنين للتخصص باستيراد بضائع معينة لحساب أسواق بنده ولا أدل من كون شعار بنده وقتها يحمل عبارة : بندة قوة لدعم الاقتصاد الوطني وصناعاته ( كما في الشعار)
أما عن الفكر الاستراتيجي، واستمراراً لحسه الوطني، فإنك تجد ذلك في ملامح وبصمات عديدة منها أنه أول من بدأ استئجار الأراضي لمدد طويلة تصل لعشرين عاماً وإقامة الأسواق عليها كما تجده في إعطاء توكيلات أسواق بنده لعدد من المواطنين في منطقة القصيم، المنطقة الشرقية، وحتى الدوادمي، في ذلك الوقت المبكر، فهو إذاً من أول من بدأ تطبيق نظام التوكيلات (THE FRANCHISE SYSTEM) في ا لمملكة بهذا الحجم حسب معلوماتي.
ومن أهم ملامح إدارته وفكره الإداري هو إعطاء الصلاحيات واللامركزية بالعمل، وتوظيف الشباب السعودي في مراكز قيادية مهمة في إدارة أسواق بنده وإدارة المستودعات وحتى وظيفة (الكاشير) البائع، بل إنني أزعم وأعرف بعضاً ممن أصبحوا رجال أعمال كبار، وإداريين مرموقين، قد تخرجوا من مدرسة أبو سعد وبالمناسبة فالكاتب لديكم بهذه الجريدة الصديق فهد بن إبراهيم الدغيثر من أوائل الشباب اللذين عملوا مع أبي سعد في إدارة مؤسسة ومن ثم شركة بنده المتحدة كما تجد فكره التجاري المتقدم في ذلك الوقت من خلال اهتمامه بتوظيف اسم وشعار “بنده “ ليكون اسما تجاريا ليس فقط لشركة أسواق كبيرة , بل ليكون اسما شهيراً وعلامة مسجلة ، لكثير من المنتجات الغذائية والاستهلاكية في ذلك الوقت , مثل المناديل الورقية , المعلبات الغذائية ........الخ
ولو ثابرت بالبحث والكشف في خبايا عقل وعمل هذا الرجل لطال الحديث ، بدون أن أوفيه حقه فجزاه الله خير الجزاء وأطال لنا في عمره ، ولعل غيري ممن عاصر تلك الحقبة الجميلة أن يسترجع بعض أفكار وانجازات هذا العصامي الرائد “ وآخرين من رواد الصناعة والتجارة “ فيثرينا ويمتعنا بها .
(*) المدير التنفيذي والعضو المنتدب لشركة هرفي للخدمات الغذائية