Al Jazirah NewsPaper Wednesday  06/01/2010 G Issue 13614
الاربعاء 20 محرم 1431   العدد  13614
 
نظمه كرسي (الجزيرة) لدراسات الإعلام الجديد بجامعة الإمام محمد بن سعود بالتعاون مع الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
لقاء علمي بعنوان: (الإعلام الجديد والاتصال السياسي.. تجربة الرئيس أوباما)

 

(الجزيرة) أحمد الجاسر :

أثبتت الانتخابات الأمريكية الأخيرة أن السياسيين استغلوا وسائل الإعلام الجديد، واستطاعوا أن يعيدوا التأثير من جديد إلى وسائل الإعلام، لكن بطريقة جديدة ووسائل متجددة؛ وذلك لوجود تغيير وإحداث لمجال جديد من المعرفة.

فقد أكدت تجربة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في استخدام وسائل الإعلام الجديد، خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي شهدتها أمريكا، قدرة وكفاءة تلك الوسائل في التأثير على الجمهور المستهدَف بدقة وفاعلية، التي استطاعت أن تخدم أوباما في حملته.

ويرجع الأستاذ الزائر لكرسي صحيفة (الجزيرة) لدراسات الإعلام الجديد بجامعة الإمام محمد بن سعود، المتخصص في قضايا الإعلام الجديد د. جيانلوكا بكانيكو، السبب الرئيس لنجاح هذه التجربة إلى أن أوباما اختار الأشخاص المناسبين، واستطاع أن يستوعب هذه التقنية، وهذا ما حقَّق له النجاح السياسي. مؤكداً أنه لو اتبع الطريقة التقليدية ربما لم يكن لينجح.

وأوضح د. بكانيكو، خلال لقاء علمي نظمه كرسي (الجزيرة) لدراسات الإعلام الجديد بالتعاون مع الجمعية السعودية للإعلام والاتصال عن (الإعلام الجديد والاتصال السياسي.. تجربة الرئيس الأمريكي باراك أوباما)، أن الذي حصل في حملة أوباما ليس لأنه استخدم الإنترنت؛ فكثير من خصوم أوباما استخدموا وسيلة الإنترنت، إلى جانب آخرين استعملوها لغرض شخصي. مبيناً أن الفرق بينه وبينهم يكمن في أنه استطاع أن يجمع ثلاثة ملايين شخص من ذوي الدخل المحدود والمال القليل، ليس لأنه رجل لطيف أو سياسي جيد، وإنما لأنه استطاع أن يعرف كيف تعمل الوسيلة.

وقال: لم يكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما متخوفاً من هذه الخطوة، بل أقدم عليها بكل جرأة حتى كسبها من خلال فهمه لأمرين اثنين، الأول: تقنية السحب في حملته التي بنيت على المشاركة والدخول في العملية السياسية، والثاني هو الذيل الطويل، وهو مصطلح أتى من مجال التجارة وكيفية الوصول إلى أكبر عدد من الناس.

اللقاء استضافته قاعة الأمير سطام بن عبدالعزيز بمؤسسة الجزيرة للصحافة، وحضره نخبة من الشخصيات الإعلامية وأساتذة الإعلام بعدد من الجامعات السعودية، وكان في مقدمتهم معالي الأستاذ الدكتور حمود البدر الأمين العام السابق لمجلس الشورى، إضافة إلى نائب رئيس تحرير صحيفة الجزيرة المشرف على كراسي الجزيرة البحثية الأستاذ عبدالوهاب القحطاني والأستاذ فهد العجلان نائب رئيس التحرير والأستاذ جاسر الجاسر مدير تحرير الشؤون السياسية والأستاذ منصور عثمان مدير تحرير الشؤون المحلية والأستاذ عبدالله الرفيدي رئيس قسم أخبار المناطق والزملاء في مؤسسة الجزيرة الصحفية، بمشاركة عدد من طلاب الدراسات العليا والمدعوين.

وقد رحَّب أستاذ الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أستاذ كرسي الجزيرة لدراسات الإعلام الجديد أ.د. عبدالله بن محمد الرفاعي بجميع الحضور، راجياً من الله أن يكتب في هذه المحاضرة الفائدة المنشودة.

وقال: نلتقي الليلة والاتصال سياسي من خلال استخدامات وسائل الإعلام، وتحديداً ما يهتم به كرسي الجزيرة لدراسات الإعلام الجديد، وهي الاستخدامات المتجددة للإعلام الجديد في مجال الإعلام السياسي. مضيفاً: (لعل الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية الأخيرة تقدم نموذجاً مثالياً شبه متكامل لقدرات وإمكانات الإعلام الجديد).

وأعرب الرفاعي عن شكره وتقديره للجمعية السعودية للإعلام والاتصال على تعاونها في هذا البرنامج، وللأستاذ خالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة على دعمه الكبير للكرسي، كما شكر المسؤولين بجامعة الإمام على الدعم الحقيقي والمتواصل الذي يحظى به الكرسي حتى استطاع على الأقل أن يُحدث شيئاً من الحراك الإيجابي فيما يتعلق بالبحث العلمي، والدرس المركز في الإعلام الجديد.

من جهته أكد مدير اللقاء د. أحمد سيف الدين، الأستاذ المشارك بقسم الإعلام بجامعة الإمام، أن موضوع الإعلام الجديد كما هو معلوم لدى الجميع متجدد بحد ذاته. مضيفاً: (وكنت أسأل نفسي هل لا تزال المقولة الشهيرة: ماذا يفعل الناس بالإعلام؟ بدلاً من المقولة السابقة: ماذا يفعل الإعلام بالناس؟).

وقال: أرى أننا ندور في حلقة تتأرجح بنا من هنا وهناك؛ فهي: ماذا نفعل بالإعلام وماذا يفعل الإعلام بنا بعد أن نتلقى منه رسائله من خلال هذا الزخم الهائل من المعلومات التي تضخ إلينا، خصوصاً أننا في واقع الأمر قد نتلقاها بطريقتنا.

وبيَّن د. سيف الدين أن د. بكانيكو سيحدثنا على وجه الخصوص عن كيف سارت حملة الرئيس باراك أوباما في الولايات المتحدة، وكيف استفادت من الإعلام الجديد؟ كما أنه سيكشف لنا ما الذي طرأ ودخل إلى هذا الميدان في حملات المجال السياسي، وكيف يمكن للمتخصصين أن يطوروا من بعض النظريات في هذا الميدان؟.

عقب ذلك بدأ المحاضر د. بكانيكو محاضرته بقوله: لقد استطاع الإعلام الجديد أن يخدم أوباما في حملته خدمة مؤثرة؛ ولذلك وجدنا أن الوسيلة ليس لها أخلاق، وإنما هي جزء من المكونات الجامدة، ولا نلوم حامل الرسالة وإنما نحكم على المرسل. مؤكداً أننا لسنا بأحرار في استخدام أي وسيلة في غير ما تفرضه علينا.

وأكد أن أوباما نجح في إيجاد شبكة اجتماعية وأشخاص لهم نشاطات واستراتيجيات عبر صفحته في ال(فيس بوك). مبيناً أنه كان يمنح للمتطوعين المعلومات الأساس عن الأشخاص، ومن ثم يقومون هم بالاتصال. لافتاً إلى أنه بإمكان الشخص أن يجري اتصالات لمدى نصف ساعة يومياً ليقنع من حوله، مضيفاً: (كان هناك شخصنة لهذه الحملة، وكان المتطوعون يحاولون إقناع جيرانهم ومَنْ يشاركهم بالمجتمع الذي يعيشون فيه).

وأشار بكانيكو إلى أن السياسيين استغلوا وسائل الإعلام الجديدة، واستطاعوا أن يعيدوا التأثير من جديد إلى وسائل الإعلام، ولكن بطريقة جديدة ووسائل متجددة.

وعلل بكانيكو اختياره عنوان (الإعلام الجديد والاتصال السياسي.. تجربة الرئيس الأمريكي باراك أوباما) لهذا اللقاء بوجود تغيير وإحداث لمجال جديد من المعرفة. موضحاً أن التغيير الذي تم هو من مجال الإعلام إلى مجال السوق، ومضيفاً: (وأجد أنه بدلاً من البث أو ما يسمى بBroadcasting انتقلنا إلى ما يسمى بالسوق، وهو مجال المشاركة. وبرأيي أنه المكان الملائم لطرح هذه الفكرة هذا المساء).

وأوضح أن طريقته في تناول الإعلام ركَّزت على أن الوسيلة ليست هي الرسالة. مشيراً إلى أن بحثه يحاول أن ينظر إلى كل مرحلة من مراحل تطوُّر الإعلام، وكيف أثرت على المجتمع وعلى الثقافة بناء على كل مرحلة.

وقال: بالتأكيد أن الكلمة المنطوقة هي الوسيلة الأولى للاتصال، وقد شكَّلت مجتمعنا، لكن حينما اخترعت أحرف الهجاء وبدأت قواعد اللغة توضع أيضاً شكلت مرة أخرى نظرتنا إلى الأشياء؛ ولذلك فإن الرسالة نفسها تشكِّل طبيعة تصوراتنا للأشياء.

وبيَّن أن العالم يتشكل بحسب تصوراتنا وخبراتنا، وذلك بعد أن نضع خبراتنا من خلال معلومات، ومن ثم نوجد عالماً خاصاً بنا من خلال المكان والزمان. مضيفاً: (حتى أن ذرات الواقع تشكِّل المكان والزمان).

ونوَّه بأن الأصل هو الكلمة المنطوقة، ثم المكتوبة، التي مكنتنا من تخزين المعلومة واسترجاعها عند الحاجة. موضحاً أن كل وسيلة تقوم على الكتابة وأهميتها، ومنذ اختراع حروف الهجاء لم يتغير تفكيرنا ونظرتنا إلى الواقع بناء على تصور كيفية التعبير عن أنفسنا.

ويرى بكانيكو أن الاتصال الشخصي هو الفاعل والقادر على الإقناع أكثر من أي نوع آخر من أنواع الاتصال، وهو الأقوى في الثقافة الإسلامية. معتقداً أن الغرب يختلف شيئاً في هذا المجال، ومضيفاً: (بودي أن يتم التركيز ليس على العمل الاتصالي المفرد، وإنما على الحركة التي تنتج من الوسيلة).

وأوضح أن كل وسيلة مكنتنا من فعل الأشياء وبحسب الوسيلة التي نستخدمها، مؤكداً أنه من المهم لديه أن يزيل أي حكم على الوسيلة، مشدداً على أنه لا يرغب الحديث عن الإنترنت هل هي وسيلة جيدة أم سيئة؟ ولكنه يريد أن يبين كيف تعمل وهذا هو الأهم بالنسبة إليه.

ولفت إلى أن العالم الآن يعيش مرحلة جديدة متغيرة، هي الإنترنت، التي تمثل الثورة الثالثة للمعلومات في تاريخ البشرية، داعياً إلى فَهْم كيفية عمل هذه الوسيلة. ودعا إلى التركيز على التغيرات الفردية؛ لأننا لا نستطيع أن نعرف حجم هذا التغير كاملاً. مؤكداً أن من الواجب علينا أن نعيش مرحلة انتقالية، معللاً ذلك بأن الجيل الذي يأتي بعدنا ربما لا يمكنه أن يتصور ما كنا عليه نحن في هذه المرحلة.

وتساءل بكانيكو عن الجيل المقبل الذي سيأتي كيف سيعيش مرحلة أخرى؟ مضيفاً: (نحن في أفضل وضع في هذا الجيل؛ لأننا نستطيع تصور الوضع التأريخي المستمر حتى الآن المعتمد على الكلمة المطبوعة والمكتوبة بشكل معين، والوضع الجديد للإنترنت).

وبيَّن أن الحل الذي منحه لنفسه تمثل في التركيز على المحتوى الأساسي وكيف تعمل القواعد والبرامج والمواقع. مؤكداً أنه كان بإمكانه النظر إلى تلك التغيرات، لكنه خشي من أن يضيع في تلك الوسائل والتقنيات الجديدة التي تأتي كل يوم؛ وبالتالي لا يستطيع أن يتابع ذلك.

ولفت إلى أن أول مَنْ استخدم وسيلة الإعلام الجديد في حملة الانتخابات، وعلى أعلى مستوى، هم الأمريكيون. مضيفاً: (عندما كان أوباما عضواً في مجلس الشيوخ كنت أتوقع وعدد من الباحثين أنه سيستخدم هذه التقنية والأسلوب، لكن لم نكن نتوقع أن هذا الأمر سيحدث بهذه الصورة وبهذا النجاح الكبير وعلى أعلى مستوى في المجال السياسي).

وأوضح أن الانتخابات الأمريكية تبدأ بمرحلة الانتخابات الأولية، وهو ما دفع أوباما إلى اختيار الاستشاريين المناسبين والتفكير بعقلية جديدة. مشيراً إلى أن الناس كانوا مهيئين للتغيير في الولايات المتحدة، لكن أوباما استطاع هنا أن يستفيد من ذلك بشكل مناسب وليس فقط بأن يفوز. وأضاف: (إن الذي حققه أوباما كان بشكل سلمي دون صراع أو عنف، وبعض الناس لو أنه استخدم هذا الأسلوب بشكل غير سليم ربما يؤدي إلى نوع من الصراع).

إلى ذلك يرى الدكتور محمد الحضيف في مداخلة له خلال اللقاء أن فكرة المحاضرة هدمت كثيراً من النظريات في الإعلام، وعلى رأسها نظرية الجمهور، ونظرية حارس البوابة، وكذلك نظرية ترتيب الأولويات. مشيراً إلى أن تلك النظريات انتهت مع وجود الإنترنت، وأن مستخدم التقنية الحديثة ليس بحاجة إلى حارس بوابة أو مَنْ يحدد الأجندة ويضع الأولويات.

واعتقد د. الحضيف أن تجربة النجاح التي حققها أوباما لا يمكن تطبيقها في كل مكان، مرجعاً ذلك إلى ثلاثة أسباب بحسب رأيه الشخصي: أولها دور الاتصال الشخصي الذي كان مهماً جداً في تلك الحملة، والأمر الثاني يتمثل في البُعد الثقافي لدى الغرب، مؤكداً أنه من الصعب أن يتم التعامل مع الإنترنت في مجتمعنا العربي بالحرية نفسها التي يتم بها التعامل معها في مجتمعات حرة وديمقراطية كالولايات المتحدة الأمريكية.

ولخص السبب الثالث بأنه باستطاعة أي شخص في المجتمعات الغربية أن يصل إلى المعلومة، بينما في مجتمعاتنا العربية لا أحد يستطيع أن يصل إليها بيُسر وسهولة، إلى جانب أنه باستطاعة أي ناخب أن يعرف موقفه هل هو مع الجمهوريين أو الديمقراطيين، بينما في مجتمعاتنا العربية لا يمكن أن يتم ذلك.

من جهته يرى د. محمد الحيزان أن وسيلة الإنترنت هي مجموعة وسائل داخل وسيلة واحدة، والحديث عنها ليس بهدف مقارنتها ببقية الوسائل. مشيراً إلى أنه في داخل تلك الوسيلة عدة قنوات مختلفة يمكن أن نقارن بين بعضها البعض دون أن نقارنها بالوسائل التقليدية المعروفة. وقال: يبدو لي أن المحاضر حاول أن يُفهمنا ماهية كل هذه الوسيلة. معتقداً أن هذه نقطة جوهرية يُشكر عليها، ومؤكداً أن فهمنا للوسيلة سيقودنا لفهم مدى تأثيرها على الآخرين. مضيفاً: (أعتقد أننا مطالبون بطريقة وأخرى أن نفهم ماذا يحدث في الولايات المتحدة حول استخدام وسيلة الإنترنت حتى نستطيع أن نستعد لما سيحدث في مجتمعنا العربي لاحقاً).

وتساءل د. الحيزان: القضية الأهم الآن هي هل نضجت هذه الوسيلة إلى حد كبير؟.. وقال: أعتقد من وجهة نظري أنه لا يزال هناك الشيء الكثير الذي ستكشف عنه هذه الوسيلة حتى نفهمها بشكل أكبر، هي لم تنضج بعد، وفي كل يوم تتحفنا بشيء جديد، وبوسائل داخلها وأخرى مفاجئة ك(اليوتيوب) و(الفيس بوك).

وأشار إلى أن جميع تلك الوسائل خرجت علينا في وقت قريب جداً. متوقعاً أن تأتي وسائل أخرى لها تأثير قوي وفقاً لإبداعات الأشخاص الذين يتعاملون معها، وإبداعات الأشخاص الذين يفهمون ماهية هذه الوسيلة.

ووجَّه د. الحيزان في ختام مداخلته سؤالاً إلى الدكتور بكانيكو حول فَهْمه شخصياً، كباحث متخصص في قضايا الإعلام الجديد، للإنترنت، هل أصبح نهائياً أم أنه ما زال هناك الكثير الذي سيجعله يعيد النظر فيما قاله خلال محاضرته؟..

وفي ختام اللقاء علَّق د. بكانيكو على مداخلة د. محمد الحضيف بمشاطرته رأيه بأن الإنترنت هي الوسيلة الأنسب لدى الغرب، ولكن يمكن أن نكيفها كما نشاء، كما يصنع أي شخص الثوب الذي يناسبه.

وفي تعليق على مداخلة د. محمد الحيزان حول الإنترنت هل هو وسيلة أم مجموعة وسائل؟ قال بكانيكو: لا أرى أن الإنترنت وسيلة واحدة ولا حتى مجموعة وسائل، لكنها مكان متاح أو ساحة مفتوحة للجميع.

كما شارك عدد من الحضور في المداخلات وتبادل وجهات النظر حول موضوع المحاضرة، وقد أثنى الجميع على موضوعها وعلى كون المحاضر صاحب تجربة ثرية في مجال الإعلام الجديد؛ ما أضاف لها بُعداً علمياً وتجربة واقعية بعيدة عن التنظير الأكاديمي.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد