تعيش إيران منذ بداية فتنة الانتخابات الرئاسية الأخيرة فترة مصيرية خطيرة من أحلك فتراتها السياسية منذ أن تحولت إيران الثورة مؤقتاً إلى إيران الدولة. فإيران التي تواجه تنامي حدة مطرقة العقوبات الدولية بفضل التأزم حول ملفها النووي تقع ما بين تلك المطرقة الدولية وسندان الخلافات والصراعات الداخلية التي تعصف بها بعد فشل الآيات في طهران في تقبل مطالب التغيير السياسي بشقيه الشفافية والحرية والمشاركة السياسية التي باتت مطلباً شعبياً ملحاً للغالبية العظمى من شعبها.
الخلافات على نتائج الانتخابات الأخيرة لم تتقلص على الإطلاق كما كان يُعتقد بل على النقيض من ذلك ساهم القمع (كما كان الحال إبان حقبة شاه إيران) في تنامي حدة الرفض والتمرد الشعبي ضدها ليصل الحال إلى مفترق طريق صعب المضي فيه ناهيك عن الخروج منه أو حتى محاولة تغيير مساره. فالمعارضة الإيرانية باتت تتقن ببراعة عملية العزف الرافض لاستئثار الفقيه الولي بالسلطة المطلقة وتفعل ذلك الرفض بلحن عقلاني ومنطقي لا يشوبه أو يحجبه عمليات العنف المضاد الذي واكب عملية المعارضة منذ بدايتها وحتى اليوم.
ومن كان يعتقد أن صفحات الماضي قد طويت في إيران وفتحت في أرجائها صفحة سياسية جديدة يخط فيها بقلم سياسي واحد فقط، ثبت خطأ ذلك الاعتقاد بالقطع بعد أن تنامت أعداد الأقلام المطالبة بالمشاركة في كتابة واقع إيران ومستقبلها. نعم لقد نسي الفقيه الحاكم في إيران ومعه قومه أن استخدام القوة لقمع المعارضة لا يولد إلا المزيد من الرفض والتمرد، فهل نسي الفقيه الحاكم تجربته الشخصية مع الشاه في عهد ما قبل الثورة؟!.
ورطة النظام الحاكم في إيران تتشابه تماماً مع الورطة التي شهدها شاه إيران محمد رضا بهلوي وإن اختلف الزمان لكنهم جميعاً مقحمون في ذات المكان وفي ذات الظروف السياسية والاجتماعية مع فارق في الأدوار وفي المؤدين لها. فاللعبة الإيرانية بقيت على ما هي عليه وأيضاً بقيت قواعدها، الاختلاف فقط في خلفيات اللاعبين ومواقفهم ومواقعهم.
ولا يغيب عن وعينا أن الأحداث الداخلية في إيران اليوم تتشابه مع ذات الأحداث التي جرت فيها بالأمس، فهي وإن كانت من ضمن الأحداث التي تقع دون إنذار مسبق، إلا أن مؤشراتها وإرهاصاتها لا يمكن أن تغيب عن عيون العاقل البصير المراقب. فالهدوء النسبي وتقبل القمع المطلق الذي سبق الانتخابات الرئاسية سرعان ما انجلى الرماد عنه ما إن ظهر الحدث الكبير في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
من هنا فإن تدهور الأحوال السياسية على المستوى المحلي الإيراني باتت حقيقة تؤكد انعدام الرؤية السياسية الواقعية لحكم الآيات في إيران وعدم قدرتها على إدارة دفة مشكلات الأزمة الداخلية السياسية والاجتماعية مما يعني تحولها إلى حالة من حالات عدم الاستقرار السياسي الصلب الذي تنتفي مع وجوده قدرة النظام السياسي الحاكم على تطويعها ناهيك عن صهر صلابتها بأي وسيلة حتى باللجوء إلى العنف والقمع. فالمشكلات السياسية التي أرجئ النظر فيها أو حتى البت فيها مؤقتاً وجيرت إلى المستقبل البعيد بمنطق لعل وعسى لم يحتملها أو يقبل بها وعي الشعب الإيراني الجديد المتعطش للحرية وللمشاركة السياسية.
لنتفق أن إيران تواجه ضغوطاً دولية متصاعدة في ذات الوقت الذي تعاني فيه من تنامٍ لضغوط داخلية شديدة رافضة لبقاء وضع إيران الثورة ومن ثم إيران دولة الثورة على ما هي عليه دون تغيير وتعديل يواكب حركة المجتمع ونسقه ومطالبه واحتياجاته. فحلقة مواضيع الخلافات الداخلية التي تواجه الفقيه الحاكم في إيران كبيرة جداً في ذات الوقت الذي تكبر فيه حلقة خلافاته الخارجية مع الأطراف الدولية الكبيرة الفاعلة. متى تتصل الحلقتان؟ أو متى يتم وصلها ببعضها البعض باتت مسألة وقت لا أكثر.
وإذا ما أضفنا الحلقة الإقليمية للخلاف الإقليمي الإيراني خصوصاً الخلاف العربي والخليجي مع إيران بفعل سياساتها الخارجية الاستفزازية، فمن الطبيعي أن تسهل عملية الربط بين الحلقة الخارجية والحلقة الإيرانية الداخلية مما يسارع في عملية إضعاف سلطة الفقيه الحاكم ولربما انهيارها.
إيران تقف اليوم على مفترق طرق مصيري ما بين المطرقة الدولية والإقليمية وسندان المشاكل والصراعات الداخلية...إلى أي اتجاه يؤول إليه الوضع والحال الإيراني مرهون بظهور العامل المسارع في الانهيار السياسي وتفعيله...هذا ما يؤكده تاريخ الثورات في العالم، فلكل ثورة وقعت كانت هناك ثورة لا بل ثورات تصحيحية مضادة.
www.almantiq.org