لا يكفي أن تحتل المرأة منصباً قيادياً في مؤسسة ما لنقول إننا وصلنا إلى درجة متقدمة من التحضر يتيح للنساء العمل والإنتاجية والمساهمة في النهضة التنموية.
ولا يكفي أن يعلن ديوان الخدمة المدنية عشرات الوظائف النسائية كل عام لنطمئن أن النساء بتن جزءاً من القوة الفاعلة اقتصادياً.
ولا يكفي أن تمتلئ الشوارع كل صباح بمشهد السيارات التي يقودها آسيوي وتنزوي امرأة في مقعدها الخلفي لنقول إن المرأة استطاعت أن تشق طريقها باتجاه العمل بيُسر وسهولة.
فخلف هذا المشهد تتوارى أرضية غير ودودة وغير ممهدة للمرأة كعاملة ومنتجة، وهناك مركز ثقيل مكون من ركام تاريخي متحجر، يظل يدفعها بعيداً عن بؤرة المركز باتجاه الأطراف والهوامش، وتظل النساء عندها بحاجة إلى طاقات مضاعفة كي يتقدمن خطوات محدودة ومرتبكة.
ولنتناول كأبسط مثال عمل المرأة في المؤسسات التي تدعوها للتعامل مع زملائها ومرؤوسيها حتى من خلف حجاب، وكثيراً ما يصدمنا غياب المهنية العملية التي تضبط العلاقة بين زملاء العمل، تلك المهنية التي تتطلب بالتأكيد وقبل كل شيء الاحترام والوضوح ومن ثم الثقة بقدرة المرأة على إنجاز المهمة كما يجب دون وصاية وتشكيك بالقدرات.
لكن على أرض الواقع ونتيجة لغياب الثقافة والإرث التاريخي الذي يحترم ويقدر تواجد المرأة في مكاتب العمل، فعلى الغالب يتراوح الأمر بين مشهدين:-
الأول: رئيس يتعامل مع مرؤوساته كأنهن نساء البيت! فيمرر طلباته بشكل يشبه قروي يدخل عاصفاً على أهل بيته (ويطالب بالغداء ويطالب بالقهوة المبهرة ويطالب بزولية تفرش في المشراق) بنفس النبرة التي تفتقد اللياقة والمهنية، على اعتبار أن النساء ضمن تصنيفه الذهني ينتمين إلى نوع قاصر لا بد من الشدة والزعيق لضبطهن.
والثاني: لا يبتعد كثيراً عن هذا النطاق من ناحية تصنيفه الدوني للمرأة، عندما يؤطرها في جانبها الغرائزي فيكون على المرأة عندها أن تستمع إلى الرسائل المواربة التي تمرر عبر المكالمات و(التميلح) والاستظراف من كهول وقفوا على مشارف الشيخوخة يتناسون قداسة وقيم مناطق العمل، عندها لا تملك المرأة إلا أن تصمت وتستغبي تحت مبدأ (قلتم فلم نع وفحشتم ولم نسمع) احتراما للتراتب الوظيفي أو على النادر تستفزها الكلمات فتردع مرسلها وتنتقم لكرامتها وإنسانيتها بكلمات جارحة رادعة، لتدخل عندها في حرب سرية توتر جو العمل وتخنقه. ولكن على كل حال لا نستطيع أن ندخل هذين المشهدين في باب العام والمطلق، كما أن المشهد ليس دوماً بهذا السوء والسلبية، فكم من زملاء عمل كانوا على قدر كبير من الوعي والمهنية والنبل والنزاهة وقبل كل هذا.. الوطنية؛ لأن من يحترم ويدعم ويشجع زميلته في نطاق العمل، إنما يقوم بمهمة وطنية كبرى يمتد أثرها لأجيال قادمة.
يبقى من هذا كله أن تؤمن المرأة العاملة بالحيز الذي تحتله في مجال العمل، وأنه أحد حقوقها كمواطنة وفاعلة ومنتجة، وليس من حق مخلوق أن يبخس قدرها أو كرامتها أو يعاملها وفق أساليب تفتقر إلى المهنية والاحترام.