Al Jazirah NewsPaper Tuesday  05/01/2010 G Issue 13613
الثلاثاء 19 محرم 1431   العدد  13613
 
شيء من
تقييد تعدد الزوجات بإثبات الملاءة
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

تحت عنوان (يا فضيلة القاضي: اقبض على هذا الرجل) كتب الأستاذ فهد إبراهيم الدغيثر في جريدة (الوطن) مقالاً يقترح فيه أن يتم التأكد من قبل السلطة الحاكمة من ملاءة الرجل المالية قبل السماح له بالتعدد، وبرّر لهذا المقترح الوجيه بقوله: (الزواج من ثانية أو ثالثة ورابعة، وإن كان مشرعاً بوضوح في القرآن الكريم، إلا أنه أتى مشروطاً بوجوب توفر العدل بين الزوجات وإلا فإنه لا يجوز). وهذا صحيح، ولا يمكن أن يتجاوزه إلا مغالط أو صاحب هوى.

فالتعدد له ضوابط شرعية، أهمها (العدل) فيما يملك الإنسان. أي أن من لا يستطيع العدل، أو أنه لا يملك من الوسائل ما يستطيع بها أن يحقق العدل بين الزوجات، فإن التعدد في هذه الحالة يدور بين الكراهية كحد أدنى والتحريم كحد أقصى. والعدل بين الزوجات يجب أن يمتد إلى الأبناء والبنات في المأكل والملبس والمسكن، في كل متطلبات الحياة. وأهم ما يشترط (لتحقيق) العدل وتوفيره أن يكون المقبل على الزواج المتعدد قادراً على الإنفاق على الزوجة الثانية، دون أن يؤثر ذلك على مسؤوليته عن الإنفاق على الزوجة الأولى؛ أيّ أن لديه (ملاءة مالية) تؤهله فعلياً للقيام بشرط العدل الذي هو في تقديري (شرط ضرورة) للتعدد.

غير أن الواقع الذي نعيشه، وقد تطرق له الأستاذ فهد في مقاله آنف الذكر، يؤكد أن شرط العدل، والملاءة المالية، هي أس كل مشاكل التعدد. وهذا لا يتوقف عند المرأة فحسب، وإنما يمتد إلى الأطفال الذين لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا نتاجاً للزواج المتعدد. وردهات المحاكم، وربما مؤسسات الإصلاح الاجتماعي في المملكة، تمتلئ بقصص تدمي القلوب، لأطفال تركهم والدهم، بعد أن أشبع غريزته الجنسية من والدتهم ثم تركهم يواجهون معترك الحياة. والشرع الحنيف يعطي ولي الأمر صاحب البيعة حق (تقييد المباح) متى ما وجد في هذا التقييد مصلحة، أو دفع مفسدة ارتأى ضرورة دفعها، عمر بن الخطاب رضي الله عنه (قيد) إباحة الزواج من الكتابيات، فمنع من ذلك كبار الصحابة خوفاً من أن يقتدي بهم بقية المسلمين، فتزدهر سوق الكتابيات، وتكسد سوق المسلمات؛ رغم أن الزواج من الكتابية جائز من حيث المبدأ في الإسلام، غير أن المصلحة فرضت نفسها فرأى -رضي الله عنه- تقييد هذا المباح؛ وهذا ثابت في سيرته كما هو معروف. ومن الأمثلة في عصرنا الحاضر إجبار الزوجين بالتحليل الطبي قبل الزواج للتأكد من خلوهما من الأمراض التي قد تكون سبباً في تفشي الأمراض المعدية إذا كان أحد الزوجين مصاباً بها، وهو ما تم تشريعه مؤخراً. ويمكن لنا على نفس المنوال، ونظراً لكثرة تعدد الزوجات دون أن يكون الزوج قادراً مالياً على الاضطلاع بمسؤولياته التي يفرضها مبدأ (العدل) بين الزوجات، وما قد يترتب على ذلك من تبعات قد تمس حقوق الزوجة السابقة واللاحقة، أن يُقيد الراغب في التعدد بإثبات ملاءته المالية (قضائياً) قبل أن يُسمح له بالتعدد. فإذا ما رغب أحد بالزواج من ثانية فعليه أن يتقدم إلى المحكمة، ويثبت ملاءته شرعاً، فيكون بذلك مؤهلاً شرعاً للتعدد. مثل هذا الإجراء فيما لو تم سيكون أثره إيجابياً ليس على الزوجة الأولى والثانية فحسب، وإنما سيحفظ كذلك حقوق الأبناء من الزوجتين؛ وهذا عين (العدل) الذي اشترطه الدين الحنيف عندما أقرّ التعدد. إلى اللقاء،،،،




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد