في إطار تنامي الاهتمام العالمي والمحلي بتأصيل مفاهيم التنمية العمرانية المستدامة، جاء مؤتمر التقنية والاستدامة في العمران برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، الذي سيعقد في رحاب جامعة الملك سعود، وتنظمه كلية العمارة والتخطيط في الفترة من 17-20 محرم، عام 1430، الموافق 3-6 يناير، 2010م. ويعتبر هذا المؤتمر بمثابة خطوة مهمة ورائدة على طريق التنمية والتطوير للعمران بكل أبعاده العمرانية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية، ويتعاظم دور المؤتمر فيما يحمله في طياته من موضوعات متنوعة، ورؤى مستقبلية، وأفكار تنموية واعدة، ومدارس فكرية مختلفة هي نتاج مشاركة باحثين من قرابة أربعين دولة، وهذا الكم من المشاركات وتنوعها يضيف للمؤتمر أهمية وطنية وإقليمية وعالمية متميزة.
وانطلاقا من ذلك فإن المؤتمر يضيف حلقة مهمة من حلقات التنمية المستدامة بالعالم التي بدأت سنة 1960م، من خلال مجموعات المهتمين بالحفاظ على البيئة نتيجة التأثير السلبي للمشروعات التنموية، وتبلورت هذه الرؤية عام 1970م، ووضعت التشريعات المنظمة لها، حيث أصدر الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة عدة قرارات واستخدم مفهوم التنمية المستدامة كمصطلح، بعد ذلك توالت المؤتمرات العالمية التي اهتمت بموضوع الاستدامة في العمارة والعمران وأهمها تلك المؤتمرات التي عقدت في عواصم منها: ريو دي جانيرو، واستكهولم، ونيويورك، والمؤتمر الذي عقد عام 2002م في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، بعد ذلك توالت المؤتمرات العالمية والمحلية لدعم وتفعيل دور الاستدامة في مجال التخطيط العمراني، وغالبية هذه المؤتمرات أكدت أهمية بحث اطر عملية لتفعيل مفاهيم التنمية المستدامة.
ويأتي مؤتمر التقنية والاستدامة بجامعة الملك سعود في مصاف المؤتمرات العالمية المتميزة من حيث التنظيم والأفكار المتنوعة والمشاركات بالبحوث العلمية المتميزة (التي تفوق التسعين بحثا)، وهي قيمة مضافة للعلم في هذا المجال، حيث تناولت البحوث قضايا عمرانية وتخطيطية وتصميمية في مناطق عديدة من العالم واطر تطبيقاتها والدروس المستفادة منها، ويتضح حرص القائمين على المؤتمر ورغبتهم الجادة لمسايرة التقدم العالمي في المجال العمراني واستشراف المستقبل، بما يحافظ على الموارد الطبيعية ويحقق الأهداف العمرانية ويوظف التقنيات الحديثة في خدمة التنمية والتطوير بصور عملية وواقعية.
وتهدف غالبية الموضوعات التخطيطية التي تناولتها البحوث والدراسات المقدمة إلى استقراء الواقع العمراني الحالي بالبلدان المختلفة, والتعرف على التحديات والصعوبات التي تواجه القطاع العمراني من أجل تفعيل المفاهيم النظرية للتنمية المستدامة، وعرض للتجارب المحلية والدولية في هذا الإطار، وبحث اطر بناء نظم عمرانية تتوافق مع المتغيرات المحلية والعالمية، وتلبي احتياجات الحاضر وتفي باحتياجات المستقبل، وتأتي أهمية هذه المؤتمر أيضاً في إطار ما تشهده المملكة العربية السعودية من طفرة اقتصادية وانعكاساتها على مجالات التنمية العمرانية وفى مقدمتها تخطيط مجتمعات عمرانية جديدة وتطوير المناطق في إطار يحقق التوازن البيئي والعمراني والخصوصية المحلية للمدن التي أشارت إليها الاستراتيجية العمرانية للمملكة العربية السعودية.
وتتمثل أهم النتائج المرجوة من هذا المؤتمر في رصد ملامح الواقع العمراني في بلدان عديدة وتحديد أهم معوقات التنمية العمرانية المرتكزة على مفاهيم التنمية المستدامة، وتحديد الجوانب الإيجابية لتعزيزها وحصر الجوانب السليبة لمعالجتها، وطرح الحلول والإجراءات المطلوبة لمواجهة ذلك. ويتوجه المؤتمر كذلك إلى تحديد الموجهات العمرانية والتنظيمية المطلوبة لتطوير نظم عمرانية تدعم وتأصل مفاهيم التوازن البيئي والتنمية المستدامة أخذا في الاعتبار استخدام التقنيات الحديثة ومكتسبات العصر وتفعيلها, وبما يتوافق ويتلاءم مع خصوصية البيئة المحلية للبلدان وتحافظ على الإمكانات الطبيعية والاقتصادية والاستثمارية، وبما يحقق التوجهات الاستراتجية ويدعم الخطط التنموية المستهدفة في المجال العمراني.
* وخلاصة ما سبق فإن مؤتمر التقنية والاستدامة في العمران الذي تتبناه كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود يعد خطوة عملية فاعلة على طريق التقدم والتنمية من أجل رفاهية المجتمعات والمحافظة على الموارد والمكتسبات، ويعد أيضاً بمثابة حلقة وصل عملية وفاعلة بين المؤتمرات السابقة والمستقبل العمراني ببلدان العالم المختلفة، وتتزايد أهمية المؤتمر من حيث سعة انتشاره وعمق تأثيره في المجال العمراني وتعدد أهدافه العمرانية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى ذلك فإن المؤتمر يعد رائدا في موضوع الحفاظ على القيم التراثية بالمجتمعات لكي تنبع التنمية من الثوابت الأصيلة بها، وهذا المؤتمر سوف يكون نقطة مضيئة في المجال العمراني بالمملكة العربية السعودية، ومثالا يحتذى - بإذن الله -.
أستاذ التخطيط الإقليمي والعمراني
كلية العمارة والتخطيط - جامعة الملك سعود