بعض مدعي الثقافة لديهم انتفاخات حتى حدود الكبر، يملأون بها ذواتهم حد الاستعلاء على البسطاء من الناس، فنراهم بين ثنايا المجالس وفي الأعراس وفي المناسبات الأخرى وفي المؤتمرات والندوات الثقافية والفكرية والأكاديمية ....
يتعملقون بفجاجة مطلقة؛ ليظهروا ظلالهم الشاحبة على هؤلاء المتعبين البسطاء بارتسامات جامدة ووجوه مجهدة بالتعالي والخيلاء، حتى ليخيل لنا أن الثقافة عندهم أصبحت وظيفة ارستقراطية للكثير منهم، إن هؤلاء نأوا بالثقافة عن وظيفتها الحقيقية التي يفترض أن تحاكي الواقع وتقوم بتهذيبه وتقويمه واستئصال الأورام الخبيثة الناتجة عن نقص المناعة عنده، وأخذوا منحنى آخر حتى وصل الأمر بهم إلى حالات مضحكة وبجدارة مقرفة حين تخطوا كافة الحدود نحو الانتفاخ والتعملق والفجاجة والهزال الفكري. إن حمى الطاووسية المستشرية في أجساد هؤلاء (المتثيقفين) وعقولهم وأفكارهم وانشغالهم بحشر الناس في زاوية ضيقة وتصنيفهم لهم بالجهل والتخلف والعصابية والعنف وقائمة تطول تلاوتها ينم عن تدن في الرؤية وغبش في العين يؤكد لنا جميعا بأن المحركات العنيفة لهؤلاء تدفعها تيارات هوائية غير نقية وغير مؤكسدة وغارقة بالوهم.
إن بعض هؤلاء المنتفخين حد الزهو المخيف مازالوا ينبشون القبور ليجتروا منها مقولاتهم وأحاديثهم وأطروحاتهم ونقاشاتهم، فهم بهذا الحراك، وهذا الفعل يسندون أعواد غرورهم الذابلة ويجيزون لأنفسهم الاستعلاء والتسلط ويصرون في الوقت نفسه على تجهيل وإقصاء الآخرين، وان كانوا ممتلئين ثقافيا ولديهم أفكار منتجة وعقول نيرة، ان هؤلاء (المتثيقفين) المتعالين بحاجة لقفزة عالية بعيدا عن الموروثات المبنية على العظمة والتباهي والتفاضل وعليهم أن ينسلخوا من المسلمات البائدة العتيقة لكي يبهرونا بعدها بالأطروحات الهادئة المفيدة البعيدة كليا عن ضجة الصوت وجلجلة المكان والأضواء العاكسة المزعجة والفراغات التي تشبه الكهوف العتيقة واستدعاء الأساطير والموروثات والملاحم الهامشية التي ذابت مفاصلها وفواصلها مع من ذابوا، ليأخذونا بعدها نحو الأضواء الكاشفة والنصوص الجميلة والخطابات الصريحة وبساتين الفاكهة وأن يجيئوا لنا بأطروحات ومحمولات فكرية ولغوية ليست مثيرة للشفقة ولا للسخرية فليس من المنطق السير عكس حركة التاريخ والحضارة والمعرفة والتشبث بقوة بذيول الماضي التليد. إن على هؤلاء التحرر من عقدة (الانا) والزهو والتعالي ومن قيود تلك الأشياء الصارمة، وأن يتفاعلوا مع إيقاع العصر والخضوع للاشتراطات الحضارية وحركة التاريخ والتطور، وإلا سيبقون يهرفون بما لا يعرفون وسوف يظلون في غيهم يعمهون وسيعانون من الدوار المزمن إلى يوم يبعثون.
ramadanalanezi@hotmail.com