عندما تتأسس جمعية جديدة في مجال الفنون يديرها أفراد المجتمع، فهذا يعني خطوة للأمام نحو المجتمع المدني, وعندما نقول المجتمع المدني فإن ذلك يحيلنا إلى أن المجتمع يبدأ ينضج أكثر باتجاه الإنسان, وعندما نقول (الإنسان) فإننا نشير إلى تلاشي العصبية والطائفية والحزبية, ذلك أن علوم الجمال تنظر إلى أبعد من محيط (الشخص) إلى قيم فنية عليا تجعل الحياة أكثر جمالاً, وهي أقل مكان يمكن أن تسفك فيه الدماء, فكلما تقدم المجتمع في مجال الفنون بات أقل (سباً وشتماً وتصفية وإقصاء).
ولم يحدث على مرّ التاريخ أن (جيَّرت) السياسة (علوم الجمال) لصالحها كما فعلت مع (الطوائف الدينية), فالفن غير قابل للتجيير, وغير قابل للاحتكار من قبل حزب معين, وغير قابل للخداع والتأويل, وهذا ما يجعله فرصة أكبر للتلاقي والحب والسلام.
مثل هذه المعاني التي تدور في أذهان كل محب للبشرية, بعيداً عن أي نوع من أنواع (التطاحن), تجعل الجميع يحتفي بجمعية وليدة, هي (جمعية الكاريكاتير) التي دشنتها وزارة الثقافة والإعلام - وكالة الشؤون الثقافية مؤخراً دون ضجيج إعلامي, على أمل أن تعمل مع زميلاتها: المسرح والتشكيل والخط العربي, والتصوير في تكوين مجتمع يعي قيمة (الجمال) كما هو, وليس كما يؤوِّله أعداء الحياة.
لا يهم إذا (تطاحنت) جمعيات الفنون الجميلة في ذاتها, واختلفت وتخالفت, فذلك ليس سوى مرحلة انتقالية من ثقافة إلى ثقافة، ومن عقليات إلى عقليات على أمل أن تصل السفينة إلى مستقرها، فيحدث السلام الكبير الذي يجمع كل الأجناس والأعراق والألوان تحت سقف واحد.
إنها فرصة رائدة يتولى أمرها الفنان - عبد الله صايل أحد أبرز رسامي الكاريكاتير في المملكة الذي اتفق عليه الجميع ليكون رئيساً لجمعية الكاريكاتير, حيث يقبع أمامه طريق طويل من الأعمال التأسيسية برفقة أعضاء مجلس الإدارة وعضوية العاملين بها, ليؤكدوا قدرة السعوديين على النهوض بمجتمعهم باتجاه الفن والحب والسلام وخدمة الإنسان, ذلك إذا ما عرفنا أهمية الفنون الجميلة بالارتقاء بأسلوب التعامل, كما أكد ذلك فلاسفة الجمال عندما قالوا: الفن والتعامل الراقي يعلي أحدهما الآخر.
فكلما كان لديك أسلوب راقٍ في التعامل وحس مرهف، كنت أكثر قدرة على تقدير الجمال, وكلما كنت فناناً تعي الأبعاد الجمالية للوحة التشكيلية مثلاً، أو تشعر بقيمة الصورة الفوتوغرافية، كلما أحالك ذلك إلى كائن راقٍ يحترم الآخرين ويُقدِّر عالمهم الذهني، ويحتفي بمنجزاتهم.
كل ما نرجوه أن تستمر مسيرة جمعيات الفنون الجميلة، وأن تتوالد بصورة دائمة, ليكون المجتمع أكثر نضجاً في إدارة (أعماله)، وأكثر وعياً بمصلحته العامة, حيث أتى الوقت لأن ينتقل المجتمع من مرحلة الطفولة، أو مرحلة الوصاية إلى مرحلة سن الرشد التي يميز فيها الناس بين الجمال والقبح، والشائعة والصدق، وبين ذلك الشخص الذي يدفعهم للأمام، وبين الآخر الذي يدفعهم إلى حضنه.
nlp1975@gmail.com