أسقطت في مقال الخميس الماضي الإعلام في مساربه الثلاث (المضلل والمحايد والموجه) على قميص يوسف عليه السلام. وذكرت أن صاحب القرار قد يوجه إلى ارتداء (القميص الثالث) المتماثل مع الإعلام الموجه لأسباب عدة كلها تقريباً تقف خلف إعلان المملكة العربية السعودية عن ميلاد قنوات إسلامية جديدة. والمنطلق والأساس لهذا العمل الإعلامي الذي يستحق الإشادة والشكر القناعة التامة لدى القيادة الحكيمة بأن الإسلام هو فقط المنقذ للبشرية، هذا في الدنيا، أم في الآخرة فقد قال الله تعالى: ?وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ? (85) سورة آل عمران. ولكن أي إسلام هذا الذي به نجاة المجتمعات وسلامة الشعوب؟ ومن هم المؤهلون لطرحه في عالم اليوم طرحاً يتلاءم وعقلية المتلقي ولغته وتطلعاته ويجيب على تساؤلاته الملحة، ويستطيع إقناعه واستمالته وتغير الصورة الذهنية لديه؟ نعم لقد تعددت المشروعات النهضوية الفكرية العالمية التي انبرى لنسج خيوطها أفراد وجماعات كلها تنتمي للإسلام وتعمل تحت مظلته وتجمع الأتباع في ظل رايته ولوائه. ولكن -وللأسف الشديد- ظلت هذه المشروعات الفكرية عاجزة عن انتشال عالمنا الإسلامي مما هو فيه، فضلاً عن تقديمها الحلول الناجزة للأزمات التي يعاني منها العالم، ومنذ منتصف القرن الميلادي المنصرم وحتى اليوم. لقد كانت هناك عدد من الأطروحات النظرية الفكرية الجيدة ولكنها قوبلت بالعقوق من المسلمين قبل غيرهم. وهناك من المفكرين من انصرف إلى السياسي وتجاهل ضروب الحياة الأخرى حتى اتهم بتوظيف الدين لخدمة مآربه السياسية. وظهر من رحم هذا اللون من الأفكار مصطلح (الإسلام السياسي). وهناك من المشروعات من مات في مهده ولأسباب لا تخفى. لذا نحن بحاجة إلى جسد فكري جديد ومتكامل يستره هذا القميص الإعلامي السعودي الجديد وعلى مدى الأربع والعشرين ساعة، والشرط الأساس أن يكون هذا الجسد المرتقب ممن يجيد فن التغلغل داخل نسيج المجتمعات والنفاذ من بين الصفوف. الإسلام كعنوان كبير، والقرآن والسنة كمرجعية صالحة لكل زمان ومكان، والعقيدة الصحيحة كمنطلق ثابت لكل مشروع يتوخى منه وفيه النهوض والبناء، والقيادة الحكيمة الراشدة التي تدافع وتعزز وتدعم، والعلماء الربانيون الذين يفتون ويرشدون، كل هذا رائع ومتميز وهو بمثابة الأساس والركيزة. ولكن لابد أن يتوج هذا الثراء والكنز الثمين بمشروع نهضوي فكري شمولي متكامل له لبنات متراصة وفي كل المجالات ومن مختلف التخصصات، كما أن له أبواباً ونوافذ وسلالم يُنفذُ منها للغير ونصعدُ عليها للأعلى. لا يمكن أن نقنع الآخر بمنطق الدليل الشرعي فقط، فهو لا يقف على ذات الأرضية التي نحن عليها أو أنه يقف عندك على رجل واحدة والأخرى هناك في الغرب. كما لا يمكن أن يكون المنطق الذي نتحدث به هو منطقنا نحن فحسب، بل لابد من المراوحة بين هذا وذاك ومن خلال المنطق العقلي الرصين. كما أن فرص النجاح تقل وتضعف في ظل وجود جمهرة منا يمارسون التضليل الإعلامي (المكسرين) الذين اختاروا ارتداء (القميص الأول) عنوة وبقصد. إن العمل من أجل الإسلام مسؤولية الجميع، ولابد من تضافر الجهود من أجل مستقبل بشري أفضل. ولن يكون ذلك إلا بهذا الدين، والمملكة العربية السعودية هي المرشح وبقوة لقيادة مسيرة التصحيح والبناء ومن خلال مشروع إسلامي فكري متكامل يتوافر عليه أهل الاختصاص من كل فن وفي كل مجال تحت مظلة رسمية سيادية متنفذة.. وإلى لقاء والسلام.