بداية أضرع إلى الله العلي القدير أن يمنّ على هذه البلاد والعباد بالوابل الصيّب والغيث الطيب وتسيل على إثره الأودية والشعاب وينتفع بخيره الزرع والضرع والكائنات، وتمرح الفيافي والقفار ويكتسي بالخضرة (الحزن) والسهل ويعم الربيع الجميع في بلادنا الغالية. ونحن إذ نتمنى ذلك فلأن بشائر الخير قد أطلت علينا مع بواكير الوسم وغسلت أرواحنا المتعطشة بالديم الكريم وأزهرت فيها نواوير البهجة وعبقت فيها نسائم الأمل المضخمة بعبير الفرح وشميم الغبطة.
صحيح أن تلك البواكير قد حملت فيضاً هائلاً من كرم الخالق عز وجل وكان بإمكان ذلك الفيض أن يكون خيراً عميماً لبعض مناطق بلادنا الجميلة لو اتخذت له الاحتياطات اللازمة والتصريفات الرشيدة والمسارب التي كان من الممكن توجيهها نحو مسارها المفيد، ونعني هنا بالضبط ما حلّ بعروس البحر الأحمر مدينة جدة الغالية، ولكن ذلك حصل على أية حال وهو خاضع للمساءلة والمحاسبة لتجاوز ذلك مستقبلاً بإذن الله.
ونحن هنا وانطلاقاً من القول الكريم (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) فإننا نود الإشارة إلى أن ثمة مدنا عزيزة علينا مثلما هي جدة (والتي أدرى بشعابها أهلها أكثر من غيرهم)، نقول أن ثمة مدنا كثيرة في المملكة بُنيت أصلاً على ضفاف الأودية أو أنها امتدت تنموياً من حيث العمران لتصبح الأودية في بطنها أو هي أصبحت في بطون الأودية وأعني بذلك مثلاً مدينة حفر الباطن التي أصبح وادي الباطن الشهير في بطن المحافظة، وقد تعرضت هذه المدينة سابقاً إلى إخلاءات كبيرة قام بها الدفاع المدني في الأعوام المنصرمة وإيواء جزء ليس باليسير من سكانها في الخيام ولسنا ندري حتى الآن هل أقيمت سدود في مجرى الوادي قبل وصول السيول إلى المدينة أم لا؟! ولكن نعتقد أن الأخير هي الجواب القاطع كحد السكين لأننا سمعنا أن أمين المنطقة الشرقية قال أن الأمانة (ستقدم) طلباً إلى وزارة المياه لإنشاء السدّ الحلم!! أما متى سيتم ذلك فعلمه عند الله!!
والسؤال (السد) لا يتوقف معنا عند مدينة حفر الباطن فحسب - بل يسير معنا على طول خط الشمال حتى ينتهي بمدينة عرعر عاصمة الشمال، فهي الأخرى تقع على وادي عرعر الشهير الذي يحتاج إلى أكثر من سدّ لدرء الخطر والاستفادة من مخزون مياه السهول بالنسبة إلى رعاة الماشية وإقامة المشاريع، وكذلك الأمر يتعلق بالكثير من الهجر الممتدة بين المدينتين ولكن ما يهون الأمر (قليلاً) أن سكان هذه الهجر هم أيضاً من رُحّل يملكون بيوت الشعر والخيام وبمقدورهم تجنب السيول ولو مؤقتاً على الأقل ولكن ذلك ليس هو الحل الأسلم قطعاً.