Al Jazirah NewsPaper Sunday  03/01/2010 G Issue 13611
الأحد 17 محرم 1431   العدد  13611
 

دفق قلم
نحن والصفحات البيضاء
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

 

أجبرني الصغار على زيارة موقع تجاري في الرياض متخصص في بيع أصناف الحيوان من طيور وكلاب وقطط، وقرود، وغزلان، وفئران وأنواع الحيَّات والثعابين، وأصناف الأسماك، وبعض الأصناف التي لم أرها ولم أسمع بها من قبل من فصيلة الفئران والقطط، وأرضيت هذه الفرقة من الأطفال، بالذهاب معهم إلى ذلك الموقع التجاري (الحظيرة) ويا لها من مفاجأة، وجدت كلباً لاهثاً ضخم الرأس، يمتد لسانه بصورة مقززة، وهو لسان كبير يقطر من لعابه (النجس) ورأيت طفلاً في السابعة -كما علمت فيما بعد- ماسكاً بطرف حبل (بلاستيكي) أصفر اللون، ناعم الملمس، واقفاً بجوار ذلك الكلب ملتصقاً به من جهة رأسه، ويده اليمنى تلامس شعر رأسه الكثيف، وقد شغلني هذا المنظر برغم موجة الصراخ والبكاء التي اجتاحت عضوة من فرقة الأطفال المرافقين لي عمرها في الرابعة، وكيف لا يشغلني منظر طفلٍ بريء يتشبَّث بذلك الكلب القبيح، وضجيج هائل بسبب النباح المتواصل الذي لم يمكِّن صوتي من الوصول إلى مسامع ذلك الطفل الممسك بحبل كلبه الغليظ، ونظرت إلى ثلاثة من الشبَّان يتحدثون قريباً من الكلب والطفل، رآني أحدهم أحاول أن أتحدث مع الطفل، فأقبل عليَّ قائلا: أيِّ خدمة؟، وتوجهت إليه ببصري، وظللت أتأمل في هندامه من رأسه إلى أخمص قدميه قبل أن أخاطبه، وكأنه قد تضايق من ذلك، فقال: أي خدمة؟ بصوت مرتفع، إلا أنه ظل واهناً أمام إيقاع النُّباح المزعج، قلت له: شكراً يا بنيّ، وإنما أردت أن أتحدث إلى هذا الطفل البريء المبتلى بهذا الكلب الضخم القبيح، قال الشاب وقد دنا مني أكثر يسمعني ما يقول: سامحك الله يا دكتور عبدالرحمن على وصفك لهذا الكلب بالقبيح، وهو من فصيلة معروفة بالطرافة والحركات الجميلة، وكنت أظنه سيحظى منك بقصيدة تجعله يعتز بنفسه بين الحيوانات، وضحك الشاب بعد انتهاء كلامه، لقد تبين لي أن له نصيباً من الثقافة والمعرفة، وأنه طالب في إحدى الجامعات، وأنه يجهِّز نفسه للابتعاث وأنهم في دارهم الفسيحة يستأنسون بثلاثة من أندر أنواع الكلاب، وبعددٍ غير قليل من القطط النوادر، كما أخبرني بسبب المجيء بهذا الكلب الجميل في نظره، مع أنه -والله- شديد القبح، وهو أنه يعاني من ألم في يده اليمنى، وأنه يخشى أن يكون كسراً لأنه قفز في فناء الدار قفزة شديدة وهو يلعب مع محمد (الطفل الذي كان يمسك به) وعلمت منه أن في هذا الموقع التجاري عيادة متطورة، فيها متخصصون في الطب البيطري على أعلى مستوى من الإتقان.

ولم أعلِّق على شيء لأن الوقت ضيق، ولأن فرقة الأطفال التي أرأسها تلحُّ في الدخول، ولأن دور الكلب في العيادة قد وصل، ولأن الشاب الذي حدثني عاد إلى رفيقيه يستكمل معهما الحديث.

بقي أن أخبركم بسبب نظري المتواصل في هندام ذلك الشاب، لقد كان هنداماً غريباً ابتداء من قصة شعره المتعرجة، ومن خيط لحيته الدقيق جداً الممتد من الأذن إلى الأذن مروراً بذقنه متفرعاً إلى موقع شاربيه ومن سلسال ذهبي معلق بوضوح على صدره المفتوح، وكأننا في عز الصيف، وانتهاء بملابسه العجيبة الغريبة.

دخلت إلى ذلك المكان فرأيت أصنافاً وأنواعاً وألواناً، وسمعت عواءً ونباحاً، وصياحاً، وتغريداً، تختلط مع بعضها في تشكيل صوتي مزعج جداً يشبه قرقعات الموسيقى الغربية المزعجة، حتى تذكرت في ذلك الموقف التشبيه الطريف الذي سمعته ذات يوم من الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- حينما سأله سائل عن الموسيقى الغربية فقال ضاحكاً كعادته، وما تريد منها أيها السائل فما هي إلا كصياح عددٍ من القطط والكلاب جمعها رجل في مكانٍ وأخذ يدعس بقدميه أذيالها وهي تطلق أصواتها المزعجة.

حزنت على ذلك الطفل المتشبث بذلك الكلب، وقلت في نفسي تجني كثير من الأسر المسلمة على (الصفحات البيضاء) -الأطفال- بما تسطِّر فيها من سيئ العادات، وقبيح أساليب التقليد الأعمى.

إشارة:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا

على ما كان عوَّده أبوه


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد