الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، بداية نقدم شكرنا الجزيل وامتناننا لمقام سيدي خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- على موافقته الكريمة بإقامة هذا المؤتمر في رحاب جامعة الملك سعود، وكذلك مقام صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية -حفظه الله- لموافقته الكريمة لرعاية هذا المؤتمر العالمي الأول من نوعه في كليات العمارة والتخطيط. لقد نشأت فكرة المؤتمر منذ ثلاث سنوات وكانت الرغبة بإقامته تزامنًا مع الانتقال إلى المبنى الجديد للكلية وتم تشكيل اللجان الخاصة بتنظيم المؤتمر ثم طرح الأفكار والموضوعات الهامة والحيوية لجميع أعضاء هيئة التدريس بالكلية لاختيار موضوعه ومحاوره، وتم الاتفاق -ولله الحمد- على موضوع التقنية والاستدامة في العمران.إن موضوع الاستدامة والمحافظة على البيئة موضوع مهم جداً ويتداخل مع مجالات أخرى سواء كانت بيئية أو هندسية أو طبية أو غيرها، وآخرها المؤتمر العالمي الذي عقد في كوبنهاجن وكان مؤتمراً عاماً ولم يكن متخصصاً في العمران، وشاهدنا كثافة الحضور وحرص رؤساء الدول والناشطين في البيئة والعلماء على المشاركة فيه. وفي هذا المؤتمر تتشرف جامعة الملك سعود أن تستضيف نخبة من الخبراء والعلماء والباحثين العالميين في مجالي التقنية والاستدامة في علوم العمران، حيث يأتي مواكباً مع توجه الجامعة ودورها الريادي في خدمة المجتمع ورفع مستوى البيئة العمرانية. وفي الوقت نفسه، رغبة الجامعة في دراسة التوجهات الحديثة والتجارب العلمية من خلال البحوث والدراسات التي سيناقشها نخبة من العلماء والمتخصصين من مختلف بلدان العالم.
ومن حسن الطالع أن المكتسبات العالمية والعلمية والتقنية التي حققتها الجامعة خلال السنوات الماضية وموضوع هذا المؤتمر الحيوي الهام ساهما في جذب الكثير من الباحثين والعلماء المتخصصين من الجامعات والمؤسسات العلمية العالمية. وبحمد الله، تلقى المؤتمر ما يقارب 400 ملخص للبحوث المقترحة مقدمة من 60 جهة أكاديمية ومهنية من 42 دولة عربية وأجنبية. ولحرص اللجنة المنظمة للمؤتمر على جودة البحوث وعلاقتها المباشرة بموضوع المؤتمر ومحاوره فقد تمت الموافقة على 152 بحثاً كاملاً تم تحكيمها بشكل علمي دقيق لتتم الموافقة النهائية على قبول 93 بحثاً لعرضها في سجل المؤتمر ومناقشتها في جلساته.ولقد تداول مصطلح الاستدامة في العمران منذ ما يقارب عقدين من الزمن وأول من قام بتكريس مفهوم الاستدامة بشكل علني وفي مؤتمر عام هم الناشطون والباحثون في المحافظة على الموارد الطبيعية للبيئة حيث يرى أن الاستخدام المبالغ فيه للموارد الطبيعية (كالرمل والشجر والحجارة والرخام وغيرها) هو هدر للأموال والمكتسبات. وفي الحقيقة، على الرغم من تكامل التقنية المعاصرة مع مبدأ الاستدامة لتحقيق مصالح المجتمع وتحسين بيئته الطبيعية والمبنية، نجد أن كثيراً من الممارسات العمرانية المعاصرة، محليّاً وعالميّاً، تعمل وللأسف الشديد بصورة مغايرة حيث ما زالت الكثير من المؤسسات والشركات العمرانية تقوم بعمليات الهدم والبناء ثم الهدم والبناء دون أية مراعاة لاحتياجات الأجيال القادمة. إن الاستدامة في العمران تهدف إلى تصميم بيئات مبنية عالية الكفاءة ترشد استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية، وتنادي باستخدم المواد بشكل فعال لتقليل الأثر البيئي السلبي، وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. كما تهدف العمارة الخضراء إلى تكامل العمران مع البيئة المناخية المحيطة، والقيم الاقتصادية، والثقافية، والحضارية لتحقيق حياة أفضل للمجتمع ولأجياله القادمة مع استدامة المصادر والحفاظ على النظام الإيكولوجي على المستوى المحلي والعالمي.ومن هذا المنطلق يهدف هذا المؤتمر الإنساني العلمي أولاً إلى إحياء دور العمارة والتخطيط في تحقيق مبادئ الاستدامة والمساهمة «العملية» في رفع مستوى البيئة العمرانية من خلال العمل على تطبيق الإمكانات الهائلة التي تكمن في التقنية الحديثة؛ وثانياً إلى دعم التعاون البناء بين الخبراء والمتخصصين والمطورين، لسد الفجوة الكائنة بينهم، ولتحقيق التكامل المهني والمعلوماتي في مجالات التقنية من أجل الاستدامة. ويندرج تحت موضوع المؤتمر العديد من القضايا والمسائل التي تم حصرها في خمسة محاور رئيسة هي:
1) العمران والاستدامة.
2) تقنيات البناء والاستدامة.
3) سياسات واستراتيجيات متطورة في مجال العمران.
4) التقنية والاستدامة في التعليم العمراني.
5) التقنية والاستدامة في الإسكان الميسر.
وأخيراً ندعو الله العلي القدير أن يحقق المؤتمر من خلال طرح الأفكار الإبداعية وجلسات الحوار والمناقشات العلمية النجاح المأمول، والفائدة المرجوة منه لجميع المشاركين والحاضرين والقراء، وأن يكون مصدراً علميّاً ثريّاً في التعرف على أماكن الخلل ونقاط الضعف التي تسبب في تأخر قطاع العمران، وفي التخلص من الأساليب المستنفذة للموارد الطبيعية والمضرة بالبيئة، وأن يساهم في نشر ثقافة «التطبيق الفعلي» لمبادئ العمران المستدام بترشيد استخدام الموارد الطبيعية دون المساهمة في تدهور البيئة وتلوثها، وخاصة في هذا الوقت الذي نشاهد فيه انتشار بناء المدن الكبيرة (mega cities) والمشاريع العملاقة.
وفي الختام، لا يسعني إلا أن أتقدم باسمي وباسم اللجنة المنظمة للمؤتمر، وجميع من ساهم في إعداده، بجزيل الشكر والعرفان لمقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني - حفظهم الله - على دعمهم السخي المتواصل لكل ما يصب في خدمة العلم والوطن والمواطنين، وفي صالح الإنسان والبيئة عامة. وكذلك نشكر صاحب المعالي وزير التعليم العالي ومعالي مدير هذه الجامعة اللذين يسعيان بكل جد واجتهاد لتحقيق رؤية قيادة هذا الوطن.
وأشكر جميع زملائي بالكلية من أعضاء هيئة تدريس وموظفين الذين ساهموا في إعداد وتنظيم هذا المؤتمر، وأخص بالشكر اللجنة العلمية التي عملت بجد ونشاط منذ انطلاق إعلان المؤتمر. وأدعو الله العلي القدير أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى إنه جواد كريم.
* رئيس المؤتمر وعميد الكلية