اليوم ستودع الجماهير السعودية والعربية والآسيوية نجما من نجوم الكرة المجنونة، في ليلة تاريخية لن تمحى من الذاكرة سنين طويلة فالجماهير الرياضية بكافة ميولها هتفت وستهتف له طويلاً، هذا النجم الذي اتفق الجميع على حبه واحترامه، النجم الذي جمع المجد من جميع أطرافه، وصنع لنفسه اسماً وصيتاً حتى رسخ في مخيلة جميع من يعشق المستديرة هو نواف بن بندر التمياط ليس مجرد لاعب يجيد العزف على أوتار الإبداع والفن الكروي فهو إنسان قبل ذلك يمتلك من الأخلاق العالية والصفات الحميدة التي تجبرك على احترامه، بين هذا الفتى وكرة القدم قصة عشق ابتدأت منذ زمن وها هي حالياً تكتب فصولها الأخيرة وتعزف أعذب وأقسى ترانيمها، قدم لنا خلال مسيرته الكروية المفعمة بالإبداع ملحمة مليئة بالعطاء والتألق والرقي في التعامل مع الكرة، تعجز الأحرف عن وصفه، فهو ظاهرة داخل الملعب بفكره الكروي الاحترافي العالي وظاهرة خارج الملعب بتواضعه الجم ودماثة الخلق وحسن تعامله الراقي مع الإعلام والمعجبين، بلا أدنى شك لاعب قلما نجد مثله في ملاعبنا, كنا نحن معشر متابعي كرة القدم نتلهف شوقاً للاستمتاع بتمريراته الساحرة ونتوق جنوناً لأهدافه الحاسمة في شباك الخصوم واليوم حان الوقت لكي نصفق ونلوح له بأيدينا في ليلة وداعه لـ(المستطيل الأخضر).
نواف التمياط اتفق عليه كل منصف وكل محايد واجتمع كل محب للعبه الأشهر بأنه يمثل علامة فارقة في تاريخ الكرة السعودية وعندما يكون الحديث عنه لابد أن يكون ذهبياً بلا جدال كيف لا والذهب اقترن به حتى أضحى سمة من سماته، من مِنا ينسى ما حصل في العام 2000 وما صنع في بطولة آسيا عندما قاد الكتيبة الخضراء من انتصار إلى انتصار حتى أبهر جميع النقاد والمتابعين بفنه وموهبته وأضحى حديثاً في أفواه الناس, وكيف لنا أن نتناسى تسديدة الستين ياردة الذهبية القاتلة التي اشتكت منها شباك الحارس الكويتي فلاح دبشه! والتي بكى على إثرها ملايين ومن منا ينكر الفرحة العارمة والبهجة الغالية التي عاشها أفراد الوطن الواحد تلو الآخر بعد تلك الملحمة الآسيوية التي كان التمياط أحد قادتها إن لم يكن الأبرز إطلاقاً آنذاك.!
(محطات إنسانية في تاريخ نواف التمياط)
طوال مسيرة التمياط الحافلة بالعطاءات والإنجازات لم تخل من محطات إنسانية مشرقة ومبادرات خيرية لا يمكن نسيانها.. وهي فرصة سانحة لسردها مع يقيني التام بأن تاريخ نواف حافل بما هو أكثر.
(نواف الإنسان) لم تنسه أضواء الفلاشات وعالم الشهرة والمعجبين عن القيام بواجبه الديني والاجتماعي على أكمل وجه وبلا كلل ولا ملل، حتى أصبح صديقاً ملازماً ومحبوباً لدى أغلى فئات المجتمع وهم جمعيات الأطفال المعاقين والأيتام في دور الرعاية مجسداً بذلك أروع صور الوفاء والنقاء في دور إنساني نبيل لعله بذلك أن (يضيء شمعة) أو (يمسح دمعة) أو يرسم ابتسامة على شفاه تلك الفئة التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من قلوبنا.
نواف التمياط تحدث: عن قصة حدثت له في نصف نهائي كأس المؤسس عندما كان يوزع الورود على المعاقين قبل المباراة فأمسك أحدهم بيده وتمنى ودعا أن يسجل هدفاً في هذه المباراة وبالفعل سجل في تلك المباراة التاريخية ويقول نواف عن ذلك الهدف: انه واحد من أجمل الأهداف التي أحرزتها في حياتي وإن كان (أجمل أهدافي هو رسم البسمة على شفاه الآخرين) واضح جداً أن هذا الفتى يحمل بين جوانحه قلباً عامراً بالمحبة والنقاء وأكبر شاهد على ذلك هذه العلاقة الحميمة التي جمعت بين هذا النجم الراقي وتلك الفئة الغالية.
ومن مِنا ينسى الحادثة الشهيرة عندما طرد نواف التمياط (الصحفي الإسرائيلي) من المؤتمر الصحفي في فرنسا وأمام الملأ وأمام عدسات المصورين عندما وقف وقال بالحرف الواحد: أنه لا يقبل بوجود هذا الصحفي، وحتى يقتنع الأجانب بموقفه تحدث بلغة العقل والمنطق والتاريخ فضلا عن لغة العاطفة.. عندما سأل قائلاً: (وهل كان لهذا الصحفي لو كان مكاني أن يجيب عن أسئلة لصحفي إرهابي)؟؟!! عندها علا صوت الصحفي (الصهيوني) وسأل نواف: هل تتهمني بالإرهاب؟؟!! فأجاب نواف: (أنتم تقتلون شعبنا في فلسطين وتغتالون أحلامنا أنا سعودي الجنسية عربي الهوية وكل شهيد فلسطيني هو شهيد للعرب لذا أرفض وجودك بالمؤتمر الصحافي (هذه الحادثة برغم خطورتها على مستقبل التمياط الاحترافي إلا أنه لم يلق لها بالا مسجلًا بذلك موقفا بطوليا شجاعا ليس بمستغرب طالما أن نواف مثال يُحتذى به وقدوة للشاب العربي المسلم المحافظ على تعاليم دينه الحنيف ومبادئ شريعته السمحة).
بعد هذه الحادثة الشهيرة وبالتحديد في العام 2003 قدم الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم درعين للاعب (نواف التمياط) وذلك تقديراً لموقفه السابق ودعمه للقضية الفلسطينية، في بادرة غير مسبوقة من نوعها تضاف إلى سجله الذهبي الحافل.
قبل سنوات.. نواف سجل أروع أمثلة الوفاء وهو يصطحب معه الرياضي (حامد الجندل) أحد أبطال المملكة من ذوي الاحتياجات الخاصة قبل مشاركته في بطوله خارجية عندما قام بزيارات للأقسام الرياضية للتعريف به وتوفير الدعم الإعلامي له ولفئة الاحتياجات الخاصة بشكل عام في بادرة إنسانية صادقة تجلت فيها كل معاني المحبة والروح الرياضية بأجل مظاهرها.
وفي بادرة أخرى تم تكريم (نواف) من قبل مستشفى الملك خالد الجامعي لمشاركته في البرامج الخيرية التي نظمها قسم الخدمة الاجتماعية بالمستشفى ولعل تلك واحدة من إسهامات (ابن التمياط) في مؤازرة النشاطات الإنسانية والاجتماعية التي جعلت منه أنموذجاً مضيئا في العمل الخيري والاجتماعي على مستوى الرياضة بشكل عام.
اعتزال التمياط وتوقفه عن الركض في (ميادين العشب الأخضر) لم يمنعه من ممارسة دوره الاجتماعي من خلال (ميادين العمل الإنساني) والعمل التطوعي، وقبل أشهر قليلة مضت أطل التمياط على محبيه وعشاقه من خلال (برنامج نجوم الخير) على قناة الصحراء الفضائية في برنامج خيري اجتماعي يعنى بفئة المعاقين والمصابين بالسرطان.
التمياط نواف لا يزال مطلبا لدى جمعيات الأطفال والمراكز الخيرية حتى إنه وقبل اعتزاله بأيام قلائل قدمت له دعوة من المركز الخيري لرعاية ومساندة مرضى السرطان بمحافظة عنيزة للمشاركة هو وزميله النجم محمد الشلهوب في الحملة الخيرية التي يقيمها المركز وكعادته نثق بأنه لن يتوانى عن تلبية الدعوة ومن المتوقع أن يبدي موافقته للمشاركة بعد الانتهاء من حفل اعتزاله.
وآخر تلك المبادرات الإنسانية عندما تم تكريمه أول أمس الأربعاء من قبل مركز الملك فهد بن عبدالعزيز لرعاية الأطفال المعوقين بالرياض وذلك نظير مساندته لبرامج الجمعية على مدى سنوات، ولتفاعله الصادق والمميز مع أنشطة العمل الخيري والإنساني مما جعله أنموذجاً متميز ليس فقط للنجم الرياضي بل للشباب السعودي الواعي المنتمي الحريص على أداء دوره تجاه مجتمعه.
إزاء ما سبق وبعد تلك المقتطفات التي تعتبر جزءا بسيطا من أدوار نبيلة يقوم بها نواف الإنسان الرياضي المتكامل بمعنى الكلمة، تبقى فقط أن يكتمل عقد الجمال في مسيرة هذا النجم الفذ بنجاح حفل اعتزاله المنتظر, وغدا درة الملاعب ستكون مسرحاً ليوم الوداع الكبير وسترسم الجماهير بكافة ميولها لوحة وفاء عنوانها التقدير والاحترام ورد الجميل للفارس الذي ترجل عن (صهوة جواد) في ميادين كرة القدم، و ستهتف كل الحناجر لتوديعه وبرغم ذلك إلا أنه سيظل حبه في القلوب وذكراه راسخة في العقول فالتاريخ المشرف لا يُنسَى بسهولة.
وأخيراً وبما أننا في عصر العولمة يحق لنا أن نحلم ونمني النفس في استنساخ تمياط آخر أو جزء منه.
ضيف الله العتيبي - محرر صحفي بجريدة الجزيرة