تحقيق: عبدالله المحيسن - تصوير: عبدالرحيم نعيم
ليس اللصوص وحدهم من يسرقك بالخفاء بل إن هناك لصوصا يقابلوننا وجهاً لوجه فيسرقون منا أموالنا ونحن ننظر إليهم، وهذا ما يفعله (نهاراً) عياناً قراصنة البرامج الذين لا يسلم منهم أي متسوق يزور أسواق الكمبيوتر حيث تتباين طرقهم في العرض والإقناع؛ ليخرج المتسوق في النهاية وفي جيوبه أقراص معظمها معطوب ليختفي البائع بعدها بين الأزقة والسيارات حيث لا مكان واضح له!.
(الجزيرة) جددت الدخول في هذا العالم البعيد عن عين الرقيب في محاولة لمعرفة حجم هذه المشكلة التي تؤثر على الاقتصاد المحلي تجاراً ومستهلكين وفي البداية حاولت الدخول لهذا العالم قبل أخذ رأي المختصين وكان هذا التحقيق..
جهل فوق جهل..!
للوهلة الأولى تعتقد أن باعة الأقراص المدمجة ال(cd) على دراية وفهم بالبرامج وجديدها وتحديثها لكنك تفاجأ بأنهم يجهلون الكثير فمعظمهم أشبه بالآلة التي تنسخ البرامج ولا تعرف محتوى ما تختزنه.. وخلال الجولة تبين أنهم يتسابقون لهذه المهنة التي تدر عليهم أموالاً كبيرة وهم لا يعدون سوى مسوقين لناسخي برامج في شقق أو مكاتب قريبة لسوق الكمبيوتر مجهولة المكان!..
يتفق معظم أصحاب محلات الكمبيوتر المصرح بها في سوق الكمبيوتر بحي العليا أنه لا يزعجهم تأثير مروجي البرامج المنسوخة على مبيعاتهم فحسب بل تعداه الأمر إلى الإضرار بأجهزة المستخدمين كما بين مصطفى حسن أحد بائعي البرامج حيث قال: إن كل من يشتري من المتجولين يعود إلينا في اليوم التالي ويشتري منا النسخة الأصلية.. أما عزيز حمد وهو بائع في إحدى المحلات فيستغرب كثرة الباعة المتجولين وكثرة زبائنهم رغم أن البرامج التي يبيعونها متوفرة بكثرة في المواقع الالكترونية الموثوقة ويستطيع أي شخص تحميلها بسهولة!.. ويضيف عزيز: أستغرب من طرق عرضهم الإغرائية للبرامج التي تدفع المتسوقين إلى الفضول في تصفح البرامج وشرائها.. ويشارك عزيز بائع آخر بالحديث ويقول: استغرب جهل الباعة التام عن أسماء البرامج وما يستجد منها، وقد سألت أحد الباعة وهو من الجنسية الآسيوية عن آخر إصدار لبرنامج معين فذكر لي برنامج قديم وحاول إقناعي بطرق تجارية بحتة بعيدا عن المعرفة البرمجية و بما يتصل بالبرامج من تاريخ الإصدار أو طريقة تنصيب البرنامج!.. أما محمد الشمري وهو صاحب محل فيستغرب ثقة المشترين المفرطة في المتجولين ويقول: إن المشتري يدفع المبلغ دون التحقق من وجود برنامج في السي دي وهل البرنامج يعمل.
دبل..!!
عندما سألنا أحد الباعة عن طريقة البيع أخبرنا أن بيعه للبرامج يتم عن طريق الجملة وكل ستة أقراص في ذات المجال تباع بمغلف واحد وبسعر 55 يشتريها بنحو 25 ريالا ومعدل بيعي اليومي حوالي 50 مجموعة، ويرى أنه يكسب من هذه التجارة أربعة أضعاف راتبه في العمل الذي يمتد 12 ساعة!.
إزعاج متواصل..
مرتادو السوق يعانون من الباعة الجائلين ويقول أبو صالح الذي حضر السوق لصيانة جهازه: ما إن اقترب للسوق إلاوينطلق علي المتسوقين بدءاً من طرق النوافذ ونزولي من السيارة حتى تواجدي بالسوق إلى درجة أنهم يحتجزون مواقف السيارات ويساومونني في الوقوف على شرائي أقراصا منهم!.
أما أبو يزيد وهو أحد مرتادي السوق فيقول: دائماً ما أقع فريسة سهلة بين أيديهم فإحدى المرات باعني أحدهم قرصاً خالياً ومرة لا يعمل والكثير يعاني من هؤلاء ؛ فأحد زملائي بدل أن يحمل برنامجاً حمل فيروساً أعطب جهازه ويؤكد أن معظم الذين يعودون لاسترجاع نقودهم أو استبدال الأقراص يقعون في مشكلة عدم التعرف على البائع لتشابههم ولتغير أماكنهم باستمرار!!.
أما المتسوق سليمان الذي اشترى أحد البرامج المنسوخة فيقول: اشتريت السي دي (حظ يانصيب) من أحد المتجولين ورفض جميع محلات الكمبيوتر الموجودة في السوق فحصه خوفاً من وجود فيروسات تعطب الأجهزة، وهذا ما يجعلنا نشتري من دون تدقيق حيث لا تتوفر لدى المتجولين أجهزة تجرب بها الأقراص.. ويضيف: يفترض على الباعة حمل أجهزة ليتمكن الزبون من فحص البرنامج ليس من أجل الخوف من خسارة عشر ريالات ولكن الخوف من أن يتبعها الجهاز الذي يكون إصلاحه كأقل تقدير (فورمات) بـ50 ريالا.
تضررنا منهم..
في المقابل التقينا بيزيد طارق أحد باعة البرامج الأصلية حيث قال نعم تضررنا بعض الشيء من البرامج المنسوخة حيث قل الإقبال علينا في الفترة الأخيرة نتيجة توجه كثير من المشترين إلى البرامج المنسوخة بعد سرعات الاتصال العالية التي توفرت مؤخرا فبعد أن كان تحميل البرنامج في الفترة السابقة يستغرق عدة ساعات هو الآن لا يتجاوز ثلاث ساعات كم توفر بعض المواقع بعض البرامج التي تلغي الباسوورد .. بينما بائع البرامج الأصلية الآخر يونس سليمان فبين أن البرامج المنسوخة يلجأ لها المشترون كحل مؤقت لأنها -بنظرهم- تفي بالغرض إلا أنها عادة تعمل لفترة مؤقتة وبعد ذلك تحتاج إلى تحديث بيانات من الموقع الأصلي، وأضاف.. أكثر المشترين للبراجم المنسوخة يعودون لنا بعد فترة لشراء البرنامج الأصلي.
سعرها فيها..
رائد علي أحد أصحاب محلات بيع البرامج الأصلية يقول: إن ما يشاع حول غلاء أسعار البرامج الأصلية غير دقيق لأن الأسعار متفاوتة وهناك برامج ليست خاصة للأفراد فالمستهدف هم الوزارات والشركات حيث تبدأ أسعار بعض البرامج من 2000 ريال وهذه الفئة المستهدفة لا تبحث عن المنسوخ دائما لأن أي خلل بالبرنامج يفقد المستخدم كافة البرامج وتعتبر أسعارها رخيصة جدا للوزارات والشركات نظير الخدمة الكبيرة التي تقدمها هذه البرامج للمستفيدين وأضاف رائد أن أسعار البرامج الأصلية الخاصة للأفراد في حدود المعقول فالويندوز ب530 ريالا والأوفس في حدود 1300 وأضاف أن هناك برامج مخفضة للأوفس حذف منها جزئية بسيطة متطورة بقيمة 340 ريالا باعتبار أن هذا التخفيض خاص بالطلاب وكل ما يهم الطلاب في هذا البرنامج موجود والمحذوف منه يخص فئة أكثر احترافية واهتمام وتابع رائد.. إن أسعار البرامج التعليمية من 20 ريالا إلى 100 ريال مثل تعليم اللغة والمناهج الدراسية وأؤكد أن مقولة (الأسعار مرتفعة جدا) القصد منها ترويج البرامج المنسوخة..
خسارة لا تتجاوز 10%..
المهندس جمال حسين الذي يعمل داعمت فنيت في إحدى مؤسسات البرامج أوضح أن نسبة تضررهم من البرامج المنسوخة لا يتجاوز 10% لأن البرامج التي يسوقون لها متخصصة في البرامج المحاسبية والإدارية وبين أن تدني هذه النسبة يعود لبرامج الحماية القوية والتي تتمثل في قراءة (الهاردسك) بعد تنزيل البرنامج على الجهاز والذي يتطلب أن يكون البرنامج مرخصا حتى يتعرف على الجهاز.. ويضيف: البرامج المنسوخة التي يتجول بها الباعة برامج غير متخصصة ويؤكد أن نسخ البرامج العادية يقوم به بعض الأفراد ولم يحدث أن شركة قامت بنسخ برنامج شركة أخرى..
أما المبرمج خليف عايد فيقول: إن هناك فرقا شاسعا بين البرامج الأصلية والبرامج المنسوخة من حيث التكلفة والدعم (الصيانة) وبخصوص أدائها فليس هناك فرق, وأغلب المستخدمين يبحثون عن الأقل تكلفة بغض النظر عن الدعم المقدم من الشركة.. وعن عملية النسخ السريعة للبرامج فيقول: سهولة نسخ البرامج وكثرة الإقبال من المستخدمين أصبح المبرمج الواحد ينسخ كما هائلا يوميا من 40 إلى 60 نسخة مقلدة ويقدمها بأسعار خيالية مقارنة بأسعارها الأصلية فمن قيمة برنامج يباع بـ700 ريال تجده في السوق بنحو 20 ريالا وهذا بلا شك أمر جاذب وهو ما ساهم في انتشار البرامج المنسوخة وأضاف خليف أن نسخ أنظمة التشغيل يلقى رواجا كبيرا وخاصة الويندز بجميع إصداراته لدرجة أن نسبة عالية من الأجهزة عليها النسخة غير مرخص حيث إن ميكروسوفت هي أكثر المتضررين من البرامج المقلدة وغالبية البرامج لا تحتاج إلى تحديثات ويؤدي المنسوخ منها نفس الغرض مثل الأوفس باستثناء ( الانتي فايروس) الذي يحتاج إلى تحديثات أو تحميل من الموقع كل فترة بعد انتهاء فترة التحديثات السابقة وعن المواقع التي يتم تحميل البرامج منها قال: إنها ليست مواقع رسمية ولا نسخ تجريبية وإنما عن طريق قراصنة يقومون بقرصنة البرامج بهدف البحث عن المادة عبر نسخها في أقراص وبيعها عن طريق المتجولين ثم تنتقل إلى أقسام متخصصة في بعض المنتديات حيث يتم تنزيلها الأمر الذي يزيد من الخسائر من خلال انتشار الفيروسات.. أما حمود مطر فيذكر أن بعض المؤسسات والشركات ومراكز الصيانة يستخدمون النسخ المقلدة لتقديم خدمات الصيانة لأجهزة العرض والاستقبال الإلكترونية وهي بذلك تعتبر معتدية على حق المؤلف.
ارتفاع أسعار الأصلية سبب للقرصنة
ولأخذ الرأي التقني المتخصص حول ضرر الأقراص المنسوخة وقراصنتها على سوق الكمبيوتر والاقتصاد التقينا بالمستشار التقني بدر العيسى الذي أوضح في البداية أن البرامج المقلدة والمقرصنة تتوزع بشكل خاص لدى أماكن محددة ومعروفة من محلات صيانة الكمبيوتر التي تحمل كمبيوتر العميل ببرامج كمبيوتر مقلدة بأسعار قليلة في حدود 30 ريالا فقط وأيضاً الباعة المتجولون في مجمعات أسواق الكمبيوتر وكذلك المؤسسات الصغيرة والتي تستخدم برامج كمبيوتر مقلدة.
وعن سبب لجوء البعض إلى البرامج المقلدة يقول: إن الأسباب عديدة ولعل منها ارتفاع أسعار البرامج خاصة الأجنبية منها وعدم توافر القدرة المالية خاصة للطلبة وانعدام الدعم الفني للمستخدمين العرب وخاصة البرامج الأجنبية وأيضاً توافر برامج وأجهزة نسخ البرامج وبصورة علنية وتوافر نسخ أصلية من البرامج الأجنبية في بعض البلاد الآسيوية وبمبالغ قليلة قياسا على بيعها في الدول الخليجية مما يعطي إحساس العميل بالاستغلال.. وبخصوص أسعارها يقول العيسى: أسعار البرامج الأصلية عادة تبدأ من 200 ريال وتصل إلى آلاف الريالات بينما البرامج المقلدة لا تتجاوز 10 ريالات فقط مما يشجع الكثير على شرائها بل والاتجار فيها، لكن لا بد أن يستوعب المستهلكون أن المبلغ الزهيد يكلفهم مبالغ كبيرة لإصلاح الإضرار المتكررة التي تحدثها هذه البرامج في أجهزتهم وأهم تلك الأضرار الفيروسات وعدم القدرة على التحديث خاصة لبرامج التشغيل ومكافحة الفيروسات وعدم الاستقرار للبيئة التشغيلية وتكرار عمل فورمات لجهازه والمشكلة تكون اكبر عند التعامل مع البرامج المحاسبية وغيرها حيث تختفي آلاف المعلومات نتيجة عطل بالبرنامج دون إمكانية إرجاعها.
الوعي ومضاعفة العقوبة..
ويرى بدر العيسى ضرورة نشر الوعي بخطر الأقراص المنسوخة إلى جانب تشجيع وحماية الإبداع ورفع العقوبة القانونية المقررة على من ينتج البرامج المقلدة خاصة إذا علمنا إذا بعض الدول كالولايات المتحدة الأميركية تعاقب بالسجن مدة من 5- 20 سنة لمن يضبط في جهازه برامج مقلدة.. وقال المستشار التقني العيسى: إن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أكدت أنه لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها إلا بإذنهم لقوله عليه الصلاة والسلام: (المسلمون على شروطهم).. ولقوله عليه الصلاة والسلام : (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه) ولقوله عليه الصلاة والسلام (من سبق إلى مباح فهو أحق به) سواء كان صاحب هذا البرنامج مسلماً أو غير مسلم غير حربي لأن حق الكافر غير الحربي محترم كحق المسلم.
1.7 مليون دولار في الساعة..!
تقدر حجم الخسائر السنوية التي تسببها عمليات القرصنة على برامج الكمبيوتر نحو 11 مليار دولار سنوياً ، مما جعل الخبراء يطلقون رسائل التحذير من مخاطر هذه العمليات التي تهدد الشركات العاملة في مجال الكمبيوتر والإنترنت بالتوقف ويطالبون بتطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية في الدول العربية وإدخال نص في اتفاقيات التجارة الحرة يمنع أعمال القرصنة وسرقة البرامج ، وتشير الأرقام إلى أن الخسائر التي تتكبدها صناعة البرمجيات في العالم تصل إلى 1.7 مليون دولار في الساعة الواحدة.