وليد العبدالهادي
مرت الأسواق بأسابيع مليئة بالقصص المثيرة بدأت من حفل تنصيب الرئيس (أوباما) وعقد قمة العشرين في إبريل والمحببة إلى قلوب المستثمرين تزامناً مع بروز ناشئين جدد في الاقتصاد العالمي بقيادة (التنين) ومرورا بمد الإنتعاش الذي مر على أهم المناطق الاقتصادية في الكرة الأرضية، وعلى الرغم من تعرض الأسواق لأمراض وحمية اقتصادية وفحوصات للجهد وغيره إلا أنها سلمت من الأمراض الصحية كإنفلونزا الخنازير لكن لم تسلم من (إنفلونزا الدولار). وسطع نجم (برنانكي) حيث أصبح بطلاً قومياً في عيون المستثمرين، وفي الوقت الذي كبلت فيه أدوات الكبح المالي مثل أسعار الفائدة التي أصبحت صفرية ومع وعيد أوباما من وأد أي فقاعة وهي في المهد تألق الذهب وسجل أعلى مستوى له تاريخياً (1.226) دولار للأونصة مما زاد في لمعانه وأسر قلوب المتحوطين. وعلى صعيد الشركات أسدل الستار على آخر وأقوى شركة تعلن إفلاسها GM (صديق العمر) أبرز المفقودين، وانتهى العام بقصص تعثر صغيرة وهي دبي العالمية واليونان. ومعروف أن أسواق المال ليست سهلة المنال ولم يفز باللذات إلا من كان جسوراً، ولمزيد من التفصيل دعونا نأخذ صورة مكبرة لهذا العام عن أهم العملات الأجنبية في العالم:
الدولار الأمريكي:
مر الدولار في هذا العام بمرحلة (انقلاب) من قبل أهم العملات الرئيسة التي تمكنت من دحره إلى مستوى 74.23 أمام سلة عملاته لكن هذا القاع لم يكن أدنى من سابقه 70.7، والنقطة الإيجابية الوحيدة له هو اختراقه لمتوسط 50 يوماً عند 75.75 ومتوسط 100 يوم عند 76.8 وقريب جداً من متوسط 200 يوم (79.25) وهي عمليات تأسيس لاتجاه صاعد طويل المدى يمتد إلى 2012م.
كان حفل تنصيب رئيس جديد يعلن بأن اقتصاد بلاده بحاجة لوقت طويل لتجاوز أزمته ويبشر بأن الاقتصاد الأمريكي سيكون أول المتعافين بداية التقاط الأنفاس، تلى ذلك قمة عشرينية كانت في الانتظار مطلع إبريل التقى فيها رجال السلطة والمال، أثمرت عن أكبر إنفاق عالمي في التاريخ (5 ترليون دولار) خلال 2009 و2010م، نجحت في تقليص عمر الكساد. تلى ذلك قمم سعرية غازلت رؤوس الأموال حيث إن معظم الأسواق سجلت قيعانها قبيل القمة ببضعة أيام وبدأ مد الانتعاش في التحرك من أمريكا. أيضاً حققت الاقتصاديات الناشئة نجاحاً في رفع حصص التصويت في صندوق النقد الدولي، وتعرضت الأسواق لأمراض اقتصادية كالتعثر والبطالة وغيره قوبلت بحمية اقتصادية وخطط إنقاذ وفحوصات للجهد وسلمت من إنفلونزا الخانزير ولم تؤثر عليها لكنها نالت من الدولار ذلك الحين. وبعد انتهاء نتائج الربع الثاني لكبرى الشركات في أمريكا تمردت العملات الأجنبية على الدولار والتقت بمقاوماتها التاريخية، وبعجز وصل إلى 41.7 مليار دولار أصبحت العملة الخضراء مهمومة بمستقبلها المشئوم لكن سرعان ما أعلن عن تقليص لعجز الميزان التجاري إلى 32.9 مليار دولار وبدأ الدولار عقب ذلك بالتفاعل الإيجابي مع الأرقام الاقتصادية المفرحة بعكس ما كان منذ بدء الأزمة، أما أسواق السلع خصوصاً النفط ارتد إلى مشارف 80 دولاراً لخام نايمكس ولم يهدأ إلا بوعيد من (أوبك) وضعته في منطقة عادلة (69-79) دولار للبرميل، وفي الوقت الذي نطق فيه الذهب لزمت الأسواق الصمت في النصف الثاني من العام وباتت أكثر عقلانية مع سعر فائدة 0,25% ومعدلات للبطالة عند 10%.
اليورو مقابل الدولار الأمريكي:
بعد كسر الاتجاه الصاعد منذ 2002م سجل قاعاً عند 1.24، وكون أول رالي مشترين لم يتوقف إلا عند 1.51، وهي عملية اختبار لمنطقة الكسر، ولديه نقطة التماس متوقعة لمستوى 1.36 في العام القادم اختباراً لخط الاتجاه الصاعد منذ 2001م يمكن مشاهدة ذلك خلال الربع الأول.
الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي:
الاتجاه في 2009م يمكن وصفه بأنه جانبي وذو سلوك مشابه لعام 2002م، وهناك احتمالية التداول عند مستوى 1.53 في الربع القادم إكمالاً لعملية التصحيح الجانبي، والمشوار شاق لتأسيس اتجاه صاعد على المدى الطويل (بضعة أشهر) حيث يعتبر أكثر العملات تأخراً في بناء شخصية جديدة لما بعد الأزمة المالية العالمية.
الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني:
المسار الهابط سمة تعاملاته على المدى الطويل (للثلاث سنوات الأخيرة) ويقترب من عكس الاتجاه حيث يعتبر مستوى 94 هو نقطة الانعكاس بعد انتهاء مرحلة البناء والتأسيس، ومهمة الزوج في الربع القادم تجاوز مستوى 101.5، وكان الين قد سجل أعلى مستوى له أمام الدولار منذ 1995م عند 84.8 في نوفمبر الماضي.
اليورو:
المحطة رقم (2) لمد الانتعاش كانت السواحل الأوروبية حيث تألقت ألمانيا وحظيت بقوة تصدير وتحملت هفوات جاراتها الاقتصادية حيث بدأت أرقام التصدير ترتفع من سبتمبر بسبب تعافي الآلة الألمانية ممثلة بالقطاع الصناعي، وحققت أوروبا نمواً للناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث 0.4% مقارنة بانكماش سابق عند 0.2%، تلى ذلك قمم متوالية لليورو ساعده في ذلك أن معظم البنوك المركزية العالمية صرحت بشدة عن رغبتها في عملة منخفضة إلا المركزي الأوروبي الذي لم يبد متضايقاً، هذا شجع المضاربين على العبث، وأخيراً ظهر على السطح تعثر في اليونان لكن لم يدم طويلاً وبمعدل بطالة يقف عند 9.8% وأسعار فائدة 1% انتهت آخر الأرقام الصادرة لهذا العام.
الجنيه الإسترليني:
(الاقتصاد العجوز) كلمة عادة تنسب إلى أوروبا، لكن هذه المرة نسبت إلى جارتها حيث لم تخرج من نفقها المظلم، والدليل أنها أكبر ضحية من تعثر دبي العالمية حيث سببت انكشاف في كبرى البنوك البريطانية، لكن اقتصادها لم يكن نشطاً قبل ظهور هذا التعثر وبات يدفع ثمن العزلة عن الانضمام للاتحاد الأوروبي، والتضخم يحيط به من كل صوب خصوصاً القطاع العقاري المساهم الأكبر في الناتج المحلي، لكن عودة التضخم في هذا البلد على ماذا سيقتات حيث لم يبق حقيقة أصول لم تنخفض قوتها الشرائية، خصوصاً وأن أدوات الكبح المالي لم تخرج من مستودع البنوك المركزية المضادة للتضخم الركودي، أيضاً معدل البطالة يقف عند 7.9% ويبحث عن قمم جديدة وأسعار الفائدة الصفرية (0.50%) ولم تعد تثمر بشكل سريع في دفع عجلة الاقتصاد.
الين:
اليابان برعت في تسويق سلعها لأمريكا على الرغم من تفوق الصين في النمو الذي كان يوصف بأنه اقتصاد أجوف تماماً كما هو الحال مع (التنين) وذلك قبيل الأزمة المالية، ولا زالت أرقام المنتجين والمستهلكين والناتج المحلي عند أعلى مستوياتها، ومع إرتفاع تاريخي للين أمام الدولار وخوفاً من حدوث انكماش تضخمي أعلن المركزي عن عقد اجتماع طارئ لضخ ما قيمته 10 تريليون ين في الأسواق المالية تتمثل في قروض قصيرة الأجل لمدة ثلاثة أشهر بفائدة ثابتة بنسبة 0.1% مضمونة بسندات حكومية، لكن لا يزال معدل البطالة في قمته 5.2%، ومع نهاية الربع الثالث أعلن عن نمو 1.2% للناتج المحلي تلى ذلك نمو في إنفاق المستهلكين على المقياس السنوي 2.2% وتقليص لانكماش الإنتاج الصناعي إلى 3.9% مما بدد السحب الركامية من سماء طوكيو لكن الصورة وإن كانت إيجابية لأرقام الربع الرابع للشركات في اليابان والعالم ككل فهي ناتجة من نجاعة خفض التكاليف التي قد تستمر كإستراتيجية حتى نهاية 2010م.
(تم إعداد هذا التقرير منتصف جلسة الأسواق اليابانية يوم الخميس الساعة 4 صباحاً بتوقيت جرينتش)
محلل أسواق المال
waleed.alabdulhadi@gmail.com