الجزيرة - الرياض
كشف تقرير اقتصادي متخصّص عن استمرار اعتماد سياسات التمييز على نطاق واسع فيما يتعلق بفرص توظيف المرأة على الرغم من تفعيل الجهود الرامية إلى تعزيز المساواة بين الجنسين خلال السنوات القليلة الماضية. وأشار التقرير الذي أعده قسم الأبحاث في شركة تالنت ريبابلك دوت نت (TalentRepublic.net)، إلى أن الركود الاقتصادي العالمي ترك آثاراً واضحة على الاقتصادات العربية وعلى فرص العمل المتاحة أمام النساء مقارنةً مع الرجال، حيث ارتفعت معدلات التسريح الوظيفي بين النساء بنسبة 2.5% أي ما يعادل ضعف المعدل بين الرجال خلال العام 2009. وأفاد التقرير بأن انخفاض فرص التوظيف المتاحة أمام النساء يعود بشكل رئيسي لمفاهيم قديمة وعوامل بيروقراطية، حيث أظهرت الدراسات أن 77% من النساء اللواتي يشغلن مناصب إدارية متوسطة في مختلف أنحاء العالم يتطلعن إلى الوصول لمناصب إدارية عليا في الشركة ذاتها، في حين لا تتمكن سوى 25% من هؤلاء النساء من تحقيق أهدافهن المهنية.
وأشارت «تالنت ريبابلك دوت نت» إلى دراسة حديثة تفيد بأنّ أكثر من 60% من الأمهات العاملات، أي ما يزيد على 12% مقارنةً مع العام 1997، من مختلف مستويات الدخل والتعليم يحرصن على مواصلة العمل بدوام جزئي للحفاظ على وظائفهن. ومن جهة أخرى، لا يتسنى سوى لربع أولئك النساء من الحصول على فرص عمل بدوام جزئي.
وتمكنت المرأة في العالم العربي من تحقيق تقدم ملحوظ على مستوى التعليم، إلا أن هذا النجاح لم ينعكس على زيادة فرص التوظيف والالتحاق بأسواق العمل. وفي المملكة العربية السعودية، تبلغ نسبة النساء نحو 56.5% من إجمالي خريجي الجامعات، أي ما يفوق عدد نظرائهن من الرجال. إلا أن فرص العمل المتاحة أمام النساء في القطاع الخاص بقيت محدودة نسبياً، مما دفع الحكومة السعودية إلى اعتماد سياسة جديدة تتمحور حول تخصيص ثلث الوظائف في الدوائر الحكومية للنساء.
ويعود الانخفاض النسبي في فرص العمل المتاحة أمام النساء في أسواق العمل إلى عدم وجود سياسات داعمة وبنى تحتية قادرة على تلبية الاحتياجات والمتطلبات الخاصة بالنساء العاملات، الأمر الذي يُثني أصحاب العمل عن توظيفهن على الرغم من مؤهلاتهن العلمية وخبراتهن العملية.
وأشار التقرير إلى أن عدم توفير الخدمات المتخصصة بما فيها خدمات رعاية الأطفال، يحد من قدرتها على الجمع بين متطلبات العمل والمسؤوليات الأسرية. وتمثل مرافق البنى التحتية مثل وسائط النقل السريعة والمريحة وخدمات الاتصالات واسعة النطاق العوامل الأساسية في إطار الجهود الرامية إلى زيادة معدلات مشاركة المرأة وذلك نظراً للدور الحيوي الذي تلعبه في تعزيز قدرتها على الاندماج أو إعادة الاندماج بسهولة في أسواق العمل والارتقاء بقدرتها الإنتاجية.
وكشفت الدراسة عن أن الظروف الاقتصادية الراهنة أثبتت قدرة النساء على النجاح في مجتمع العمل الذي يهيمن عليه الرجال. وأشار التقرير إلى انخفاض معدلات توظيف النساء حتى في القطاعات والمجالات العملية التي تعاني من نقص كبير في المهارات بما فيها تكنولوجيا المعلومات والهندسة. ومن هذا المنطلق، يمكن للنساء اللاتي يتمتعن بالمؤهلات والخبرات العملية ذات الصلة بتكنولوجيا المعلومات والهندسة من الحصول على فرص عمل مناسبة في حال قررن بناء مستقبل مهني في هذه المجالات، الأمر الذي سيسهم بدوره في الارتقاء بمستوى المهارات والخبرات وتسريع وتيرة النمو وتفعيل مساهمة تلك القطاعات في تعزيز التنمية الاقتصادية.
وأفاد التقرير أن تحسين الأداء المؤسسي يرتبط بشكل مباشر بوجود عدد أكبر من النساء في المناصب الإدارية العليا، حيث أظهرت الشركات تحت إدارة النساء ارتفاعا ملحوظاً بالأداء المالي وازديادا في كل من عائدات الأسهم وعائدات المبيعات وعائدات رأس المال المستثمَر بمعدل 53% و42% و66% على التوالي.
كما أشارت الدراسة إلى أن النساء أظهرن تميزاً مؤسسياً وأداء عالي المستوى في المناصب الإدارية العليا، مما يعكس ارتفاع نسبة النساء العاملات اللواتي يشغلن المناصب الإدارية والمهنية ذات الصلة والبالغة 39%. وأشار التقرير إلى أن 24% من النساء يعملن في مجال المبيعات والأعمال المكتبية و24% في مجال الخدمات و6% في مجال الإنتاج والنقل و1% في المهن ذات الصلة بالصيانة والبناء والموارد الطبيعية. ويمثل حصول المرأة على المؤهلات ذات الصلة بتعزيز التنمية الوظيفية والمهنية تحدياً كبيراً في المنطقة العربية نظراً للقضايا الاجتماعية والشخصية المتنوعة بما فيها قضية الزواج المبكر والإنجاب التي قد تتسبب في ابتعاد المرأة عن مواصلة التعليم والعمل وبالتالي عدم تحقيق أحلامها في الوصول إلى حياة مهنية ناجحة في المستقبل. وفي هذا الإطار، أشار تقرير «تالنت ريبابلك دوت نت» إلى أن برامج التعليم المستمر ومبادرات التدريب الأكاديمي والتقني التي تلبي الاحتياجات الخاصة بالمرأة من شأنها أن تسهم إلى حد كبير في معالجة هذه القضايا والتحديات المختلفة.
ودعت الدراسة الجهات الرسمية بالعالم العربي إلى اتخاذ إجراءات وتدابير استباقية لتلبية متطلبات البنية التحتية الأساسية التي تدعم الدور المتنامي للمرأة في أسواق العمل وتعزز مساهماتها في بناء الاقتصاد الوطني. كما يسهم في إيجاد فرص عمل بناءً على المساواة بين الجنسين في تعزيز واحترام حقوق المواطنين واحتياجات المجتمع بأكمله.
وأشار التقرير إلى دراسة صدرت مؤخّراً عن «فريدوم هاوس»، وهي هيئة متخصصة بقياس مدى تقدم أو تراجع الحريات في مختلف أنحاء العالم والتي تتخذ من واشنطن مقراً لها، تفيد بأن الدول الست من منطقة الشرق الأوسط التي شملتها العينة خلال العام 2004 أظهرت تقدماً على مستوى حريات المرأة مسجلةً بذلك نتائج إيجابية محدودة وإنما فعالة في مجال الحقوق السياسية والاقتصادية والقانونية. وتمكنت كل من الإمارات والكويت من تحقيق أكبر تقدم في هذا المجال ضمن دول مجلس التعاون الخليجي.