الجزيرة - د. حسن الشقطي
أنهى سوق الأسهم هذا الأسبوع عاما من حياته (2009م)، وهو العام الذي شهد أكبر وأضخم أزمة مالية في تاريخ الاقتصاد العالمي.. ورغم ضخامة تداعيات هذه الأزمة واتساع حيز تأثيراتها السلبية، فقد تمكن سوق الأسهم السعودية من إحراز إغلاقا سنويا إيجابيا وتحقيق ربحا بمعدل 27.5%.. ويعتبر هذا المعدل انجازا تاريخيا لسوق الأسهم، وبخاصة أنه لم يكد ينتهي من أزمة تصحيحه البادئ في فبراير 2006 .. وقد ماج عام 2009 بالعديد من الاضطرابات على مستوى كافة البورصات العالمية، وحتى أسواق السلع الدولية، ناهيك عن النفط والذهب.. فضلا عن الركود الاقتصادي الذي ضرب اقتصاديات العالم المتقدم بشكل تسبب في بوادر انهيار قاسي للعديد من وحدات شهيرة من القطاع المصرفي والصناعي والتجاري الدولية.. هذا ولم يكن السوق المحلي منعزلا عن اضطرابات السوق العالمي، بل أن الأزمة العالمية تسببت في اضطراب عدد من القطاعات المحلية الهامة، أهمها القطاع المصرفي الذي تأثر كثيرا نتيجة لأزمة سعد والقصيبي الوافدة من تداعيات الأزمة العالمية أساسا.. أيضا فإن هذه الأزمة العالمية تسببت في مخاوف كبيرة مؤخرا نتيجة للقلق من تعرض المصارف السعودية لحجم كبير من مديونية دبي المنتهية منذ أسابيع قليلة.
قطاع المصارف يسجل أعلى معدل للاضطراب في عام 2009
لم تتسبب الأزمة العالمية باضطراب قطاع محلي معين بقدر ما تسببت في اضطراب قطاع المصارف الذي تعرض أكثر من مرة لمخاوف التعرض لمديونيات من شركات محلية أو مستثمرين محليين أو شركات إقليمية وعالمية.. بدأت أزمة سعد والقصيبي وانتهت بأزمة مديونية دبي وقد تسبب هذا القطاع في اضطرابات أكثر عنفا لسوق الأسهم المحلية نتيجة مخاوف المتداولين من تعرض هذه المصارف لخسائر كبيرة نتيجة صدق الشائعات حول أرقام مديونياتها لشركات تعرضت لتعثر نتيجة الأزمة العالمية.. لكل ذلك، فقد تحرك مؤشر قطاع المصارف في مدى كبير ما بين 17574 نقطة إلى 11362 نقطة، وهو مدى متسع لقطاع ثقيل مثل المصارف.. ولكن رغم كل ذلك، فقد خرج القطاع رابحا لنسبة 15.3% خلال عام 2009م.
الدلالات الإيجابية لضعف السيولة السنوية المتداولة في عام 2009
رغم أنه من المعتاد أن يفسر ضعف السيولة المتداولة بأنه ضعف في أداء السوق، ورغم أن ضعف الأداء يعد أمرا مدعاة لعدم جاذبية هذا السوق، إلا أن هذا الضعف يفسر على أنه عنصرا إيجابيا في السوق السعودي في عام 2009م.. فقد شهدت السيولة المتداولة تراجعا حادا في عام 2009 عن مستواها في عام 2008، حيث بلغت خلال عام 2009 حوالي 1262 مليار ريال مسجلة انخفاضا عن مستوى 2008 بنسبة 36%.. وهذا التراجع يعد دليلا على تراجع معدلات البيع لعدم رغبة المستثمرين في التخلي عن أسهمهم، بما يعد لأول مرة تأكيدا لتوجههم للاستثمار بالسوق بشكل يفوق توجههم للمضاربة فيه.. أي أن ضعف السيولة في هذا العام بالتحديد يعتبر جانبا إيجابيا.
أبرز أحداث 2009 اختفاء حائل وعودة إنعام وإطلاق سوق الصكوك
شهد سوق الأسهم لأول مرة في تاريخه في عام 2009، صفقة استحواذ كبيرة تم بموجبها استحواذ شركة المراعي على100% من أسهم شركة حائل للتنمية الزراعية، مقابل حصول مساهمو «حائل» على سهم واحد جديد في المراعي مقابل خمسة أسهم في «حائل»، إضافة إلى مبلغ نقدي قدره 50 هللة لكل سهم مملوك في «حائل» … ومن جانب آخر فقد شهد عام 2009 صدور قرار هيئة السوق بإعادة تداول أسهم الشركة إلى نظام التداول الآلي المستمر حيث إن الشركة أوفت بمتطلبات تحقيق أرباحاً من نشاطاتها الرئيسة لعامي 2007م و2008م.. أيضا تم إطلاق سوق الصكوك والسندات الجديد.
السوق السعودي يحتل مرتبة متقدمة بين البورصات العالمية في ربحية 2009م
البعض يعتقد أن سوق الأسهم المحلية قد أبلى بلاء سيئا خلال عام 2009، إلا أن الحقيقة غير ذلك بالمرة سواء على المستوى المطلق أو مقارنة بالبورصات الإقليمية والعالمية فقد أحرز سوق الأسهم السعودي ربحية بلغت 27.5% خلال عام 2009، وهو معدل ربح مناسب ومقبول مقارنة بمعدلات التغير في ربحية السوق خلال الأعوام الثلاثة الماضية (2006 - 2008).. كذلك فإنه يعتبر معدلا جيدا جدا إذا قارنا ربحية السوق السعودي بربحية البورصات العالمية الأخرى.. حيث إن ربحية داو جونز لم تزيد عن 20.2%، وربحية نيكي الياباني لم تزيد عن19.0%، وربحية فستي البريطاني لم تزيد عن 21.7%، وربحية سوق دبي لم تزيد عن 10.5%.. لذلك، فإن السوق السعودي يحتل مرتبة متقدمة على قائمة الأسواق الرابحة خلال العام المنتهي (2009م) إقليميا وعالميا.
11 اكتتابا جديدا.. تراجع سوق الطرح الأولى (بالقيمة) في عام 2009
على الرغم من حالة الركود الاقتصادي التي شهدها الاقتصاد العالمي ككل، إلا أن مستوى حركة النشاط الاقتصادي بالسوق المحلي لم تتأثرا كثيرا من حيث الكم، فبينما شهد عام 2008 طرح عدد (13) شركة جديدة، فقد شهد عام 2009 طرح عدد أقل من الشركات بلغ حوالي (11).. أيضا سجلت قيمة متحصلات أطروحات عام 2009 تراجعا عنها في عام 2008، فقد انخفضت من حوالي 36.4 مليار ريال في 2008 إلى حوالي 3.9 مليار ريال في عام 2009م.. أي أنه رغم أن عدد الأطروحات كان قريبا إلى حد ما من أطروحات 2008، إلا إن قيمة المتحصلات في 2009 كانت متدنية جدا مقارنة بها في عام 2008 ويرجع ذلك إلى أن اكتتابات عام 2009 توصف بأنها كانت لشركات من النوع الخفيف، حيث طغت عليها شركات التأمين.
17 صندوقا جديدا.. زيادة عدد الصناديق الجديدة المطروحة بالسوق في عام 2009
رغم تراجع حركة التداول بسوق الأسهم خلال عام 2009 نسبيا للأعوام السابقة، إلا أن سوق الأسهم بدأ يشهد انتعاشا في الاستثمارات المؤسسية إلى حد كبير، حيث شهد عام 2009 زيادة في عدد الصناديق الاستثمارية الجديدة المطروحة بالسوق، وكانت غالبيتها لشركات خاصة من الأشخاص المرخص لهم.. فقد شهد السوق طرح (17) صندوقا استثماريا جديدا، منها (9) صناديق طرحت للتعامل في الأسهم السعودية، ومنها (6) للمرابحات، و(2) بأغراض أخرى.. وهو ما يعني بدء توجهات استثمارية مؤسسية لقطاع كبير من المستثمرين..
الإنجاز الخفي !
إذا قارنا تقرير التداول حسب الجنسية في ديسمبر 2008 ونوفمبر 2009 لاكتشفنا إنجازا هاما لهيئة السوق، وهو تقلص مشاركة الأفراد في حركة التداول (الشراء) من 92% في نهاية 2008 إلى 87.5% في نهاية 2009.. في المقابل فقد زادت مشاركة الشركات في حركة التداول (الشراء) من 3.4% في نهاية 2008 إلى 7% في نهاية 2009 أي أن مشاركة الشركات زادت بمعدل الضعف تقريبا، وهو توجه إيجابي ومطلوب من الشركات حيث يرسخ نوعا جديدا من الاستثمار المؤسسي بعيدا عن المضاربات الفردية.