Al Jazirah NewsPaper Saturday  02/01/2010 G Issue 13610
السبت 16 محرم 1431   العدد  13610
 
كيف أعمل كامرأة سعودية ضمن مؤسسات العمل المعزولة (الحلقة الثانية)
د. فوزية البكر

 

في الأسبوع الماضي تحدثت عن الواقع التاريخي الذي تم تصنيعه للمؤسسات النسائية المفصولة والتابعة لمؤسسات الرجال وعن القيم التي حكمت التعاملات الإدارية والأكاديمية منذ ظهرت هذه المنشآت إلى الوجود ضمن الحالة السعودية.

اليوم سأحاول تقديم بعض النماذج التطبيقية التي تحدث فعلا على أرض الواقع....

....مثلا سأشرككم معي في بعض اجتماعاتنا (المتميزة) رجالاونساء في هذه المؤسسات الفريدة.. حيث ندعى نحن النساء في العادة للاجتماع في قاعة في المبنى الخاص بنا وكذلك الرجال في قاعتهم ضمن المبنى الخاص بهم ليربط بيننا أجهزة اتصال صوتية ضعيفة في تركيبتها الفنية ومستوى نقاء الصوت. ولأكثر من ساعة قبل الاجتماع يكون الشغل الشاغل لسكرتيرة القسم وفنيات المؤسسة هو في كيف يتم إقامة الاتصال التليفوني وتثبيته دون انقطاعات متكررة وطبعا فنحن من القلة المحظوظات اللاتي يتمتعن بهذه الرفاهية في تضمينهن في الاجتماعات واحتساب أصواتهن إذ لا تزال عشرات من الإدارات والأقسام ترفض حتى فكرة الاجتماعات الصوتية والرجال فيها يرددون: ما الداعي لوجع الرأس طالما نحن من يتخذ القرارات أولا وأخيرا !!

ولسبب يمكن فهمه في ظل التركيبة الثقافية والاجتماعية لمؤسسات العمل السعودية فلابد أن يكون رئيس ومدير الجلسة بالضرورة رجلا بغض النظر عن كفاءته وقدراته الإدارية أو خبراته الأكاديمية والمهنية !

ولأن الرئيس محاط بزملائه الرجال من حوله وهو يتحدث لهم مباشرة ويتبادل التواصل البصري ويرى تعبيراتهم بشكل مباشر ينسى بالتدريج وجود عناصر نسائية عبر الميكرفون الذي يتذبذب نقل الصوت عبره فيظهر لفترة ويختفي لفترات دون أن نتمكن نحن النساء من ملاحقة نقاش أو فهم كيف تم التصويت على قرار.

ولأن هذا الرئيس لا يرى من يدير في القسم النسائي فهو لا يتمكن فعلا من إدارة الحوار بين النساء والرجال خاصة في مجالس الأقسام لكثرة عدد أعضاء الأقسام فينشغل الزملاء الرجال ببعضهم بعضا وتدريجيا ننفصل نحن النساء عقليا من المناقشة وتشتغل المناقشات الجانبية بيننا لأن واقعية الاجتماع لا توجد الا عبر ميكرفون يظهر الصوت للحظة ويخفيه للحظات وتصبح المشاركة ديكورية تحقق حرص بعض قيادات المؤسسة على إشراك العناصر النسائية في الاجتماعات دون فاعلية أو مشاركة حقيقية في اتخاذ القرار. ولأن الزملاء يعرفون بعضهم بشكل شخصي مباشر لذا فهم يتبادلون التحية أو تقديم العرض بالحديث فتفضل يا أبو محمد....لا ولا عليك أمر يا أبو فراس.. ونحن في جهد جهيد نحاول تدريب ملكات قدرتنا السمعية لتمييز الأصوات المتحدثة وحل لغز من هو الدكتور المسمى أبو محمد ومن هو أبو فراس !! وأسأل دوما ماذا كان سيحدث لو فكر رئيس القسم بإدارة الاجتماع من القسم النسائي فكان معنا ولنجعل الزملاء الرجال يمرون بخبرة التهميش وعدم الفعالية وعدم القدرة على إيصال فكرة كما يحدث لنا في كل مرة.

وتختلف (ذكورية) الرجال ممن يديرون الاجتماعات المشتركة من قسم إلى آخر ومن إدراة لأخرى إذ وكما سمعت من بعض الأخوات (لا كما عشتها) يعمد رؤساؤهم بشكل مباشر الى توجيه الأوامر وعدم الاستجابة لمن تحاول التعبير عن وجهة نظر لا تتفق مع ما يراه وتصدر القرارات من هناك مع توقع القبول الحتمي من العناصر النسائية لها التي لا تملك إلا الخضوع والموافقة بغض النظر عن منطقية ما يتخذ من قرارات.

اللجان المشتركة لا تختلف في ديناميكية عملها الداخلية عن ذلك، فالرجل في العادة يرأس اللجنة وهو يدير النقاش ويعد المحاضر ويقدم التوصيات ويتخذها مفترضا قبول وعدم مناقشة العناصر النسائية المشاركة.

ويظهر المشهد المسرحي في أقوى صورة عند النقل التلفزيوني لحدث أو ندوة مشتركة بين النساء والرجال، فالصوت متقطع او هو ضعيف أو هم لا يسمعون ما نقول والمهندسات يتقافزن في قلق واضح والجوالات لا تتوقف بينهن وبين المهندسين من الرجال على الضفة الأخرى من النهر لإصلاح العطب ويستمر المشهد المسرحي وينقطع الاتصال ليعود بعد قليل وليظهر الصوت وتختفي الصورة مجددا وهكذا.. والجميع رجالا ونساء تراقب المشهد وكأنها جزء من مسرحية معدة سلفا يعرف الجميع أدوارهم الديكورية فيها ويقبلونها لأنها هي ما فرضه النظام منذ وجد دون أن يعني أحد بدرجة الفاعلية وبالجدوى العلمية والمهنية لهذه الممارسات.

التدريس عن طريق الدائرة التلفزيونية المغلقة هو صورة ساخرة لوضع هزلي يتمدد رغم أن كافة البحوث العلمية أثبتت أن هذا النوع من التدريس لا يحقق أكثر من 20 %من عوائد العملية التعليمية. كثير من المؤسسات التعليمية الجامعية تعتمد على هذا النوع من التدريس في تغطية أكثر من 20% من موادها حيث يخصص للأستاذ المدرس قاعة خالية يقف فيها أمام كاميرا تنقل صوته وربما صورته (تتحفظ بعض المؤسسات التعليمية حتى في نقل الصورة) وندخل على القاعة حيث يتم الإرسال لنسمع صراخا منقولا من الاستديو إلى قاعة الطالبات اللاتي يتناثرن في كسل ولا مبالاة على المقاعد فأكثرهن غاطسات في عالم البلاك بري ورنات الببي ام لا تتوقفُ في حينِ تغطُّ الأخرى في النومِ والثالثةُ مشغولةٌ بكتابةِ متطلباتِ مقررِ آخرَ وأربع أو خمس يتبادلن النكات والحكايات والمهم هو تسجيل الحضور كمتطلب حتى يتم احتساب المقرر للطالبة.

ويحتاجُ الأستاذ الذي يدرس باستخدام نظام النقل التلفزيوني من غرف خالية من الطلبة الى درجة عالية من الحساسية والخيال حتى يضبط فصله ويحقق بعضا من شروط التفاعل داخل البيئة الصفية وهو ما لم أره الا في استاذ واحد فقط كان يدرس للدراسات العليا ولخمس طالبات فقط فتمكن من إجبارهن على التفاعل والتجاوب رغم عدم قدرته على التواصل البصري أو ادراة القاعة فماذا نتوقع من أساتذة العلوم الإدارية أو الثقافة الإسلامية وأعداد الطالبات تفوق الخمسين وقد تكون المحاضرة مشتركة أي في صف الطلبة الذكور وتنقل للإناث مما يضاعف أعداد الطلاب فيجعل ذلك حظ الإناث معدوما تقريبا في أي تفاعل صفي او فهم متعمق لمحتوى ما يقدم.

المضحك المبكي أن بعضا من أكاديمياتنا السعوديات انتدبن الصيف الماضي إلى اليابان لنقل تجربة المملكة التي سبقت العالم في مجال التعليم عن بعد ! وذلك عبر اختراعنا الفذ للدائرة التلفزيونية المغلقة متجاهلات كل السوءات التي لا يخطاها حصيف.

وليت اليابانيون يتكرمون علينا الآن وكجهة محايدة وبعد أن استعرضنا حججنا لهم فيقومون بالقدوم للمملكة والحضور مع الطالبات في هذه المحاضرات فلعلهم يكتبون فصولا ودراسات في قدرة الطالبات السعوديات على التحمل لساعتين او ثلاث والاستمرار في الحملقة في جهاز تلفزيوني ينقل سبورة باهتة كتبت عليها خطوط غير واضحة ويتم عبرها تدريس مواد كالإحصاء وإدارة الشؤون المالية والفيزياء والرياضيات وليس فقط بعضا من المواد النظرية التي يظل الأستاذ يلوكها وصوته يتردد عبر القاعات الخاوية دون أن يدرك احد أيا من المفاهيم النظرية التي يقدمها او تتمكن الطالبات من تمثلها واقعيا كما يفترض في العملية التعليمية.

كما يمكن لليابانيين أن يساعدونا أيضا في تقييم القدرة العقلية المتبقية لأساتذتنا الذين يجبرون على الحديث مع أنفسهم في غرف مغلقة لساعتين أو ثلاث حسب نصاب المقرر !!

إنه عالم من التزييف والعبث أنتج في جزء منه هذه المخرجات التعليمية الضعيفة لجيل جامعي يجهل أساسيات التعلم الجامعي أو المفاهيم العلمية والرياضية والبيئية والتي تقدم لطلاب الابتدائية في أي نظام تعليمي يحترم نفسه.

أستطيع أن أبقى معكم ونستمر في السرد لممارسات إدارية وتعليمية ضمن مؤسساتنا النسائية المعزولة أبرز ما يميزها هو (الديكورية) في مظهرها مع خلوها من المعنى الحقيقي للفعل سواء كان إدارياً او تعليميا والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: حتى متى نستمر في الضحك على أنفسنا والعالم ؟؟










 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد