Al Jazirah NewsPaper Friday  01/01/2010 G Issue 13609
الجمعة 15 محرم 1431   العدد  13609
 
الجانب العسكري للتسلّل المعادي
اللواء الركن (م) سلامة بن هذال بن سعيدان

 

إن أية مجموعة بشرية تخرج عن طاعة السلطة الشرعية وتحمل السلاح في وجهها عادةً ما تجنح إلى العنف والقتل في سبيل الوصول إلى أهدافها.

والصراع القائم في اليمن على هيئة حرب عصابات بين

السلطة الشرعية والمتمردين عليها لا يخرج عن هذا المفهوم، إذ إن التطرف الفكري والغلو المذهبي والعنف الثوري ليست إلا حوافز معنوية ومادية يتسلّح بها أولئك القوم الذين سوّغ لهم حب السلطة وانحراف الفكر التمرد على حكومتهم والخروج على قوانين دولتهم وخيانة أمتهم، وما ترتب على ذلك من إشعال نار الفتنة والزج بالوطن في أتون حرب شكلها محدود وأضرارها شاملة.

وقد استغل المتمردون ما يعرف بالحراك الجنوبي وما يعانيه وطنهم من مشكلات اجتماعية واقتصادية، واستثمروا الظروف البيئية والموقع الجغرافي ونمط الحياة الاجتماعي على النحو الذي يخدم الدعوة إلى مذهبهم والترويج لمطلبهم، مستفيدين من المتناقضات الداخلية والإقليمية والعالمية ومنساقين وراء الدعوات الأجنبية والمغالطات المذهبية على حساب الانتماءات الدينية والوطنية والقومية.

وهذا الصراع المنخفض الشدة الذي تخوضه قوات نظامية ضد عصابات مسلحة ذات أساليب إرهابية وتخريبية، رغم أنه شكل من أشكال الحرب المحدودة ويغلب عليه الطابع الدفاعي إلا أن الأنشطة الهجومية في هذه الحرب وقواعد إدارتها وطبيعة الأرض الجبلية ووعورة مسالكها وغيرها من العوامل القتالية والجغرافية، كل ذلك ليس بالضرورة أن يتيح للمتمردين استغلال خصائص الأرض والاعتبارات البيئية للتأقلم مع ظروف الصراع المنخفض الشدة والانحدار به إلى حضيض التدمير والإرهاب.

ونظراً لأن الصراع الداخلي في أي بلد سرعان ما يتأثر بالعوامل المحيطة والظروف الخارجة وبالتحديد تلك العوامل الجيوبوليتيكية التي تفرضها طبيعة التضاريس الأرضية وجغرافية الجوار فإن التسلّل عبر حدود المملكة وجد فيه المتسلّلون هدفاً دفع بهم إلى عقوق الدولة التي لها دائماً اليد الطولى والقدح المعلى في إكرام الجار واحترام حقوق الجوار.

وانطلاقاً من هذا الواقع الذي يعيشه المتسلّلون ونتيجة لما يسيطر عليهم من ضلال ويتملّكهم من وهم ويبيتونه من نوايا الأمر الذي دفعهم إلى التسلّل داخل الحدود السعودية ومهاجمة المراكز الأمنية والاعتداء على حراسها بإطلاق النار عليهم وقتلهم، وهم يمارسون واجباتهم الأمنية المعتادة، مما خلق واقعاً جديداً وأدخل على الصراع بعداً آخر، كما حتم على المملكة رداً فورياً لحماية شعبها والدفاع عن سيادتها، وسواء أكان الهدف من الاعتداء عسكرياً أو سياسياً فإن الرد السعودي على العدوان واتخاذ الإجراءات الاحترازية لمنع تكراره والنظرة المستقبلية لأمن الحدود، كل ذلك يشكّل تطوراً بالنسبة للصراع وتحولاً في مجرى الأحداث على ضوء النوايا العدوانية والمواقف الظرفية والاعتبارات الطبوغرافية والتضاريس الجغرافية والعوامل الجيوبوليتيكية والتركيبة السكانية لليمن وخصوصية العلاقة مع الشعب اليمني وطبيعة الجوار.

والجزء الحدودي للمملكة مع اليمن الذي يمتد عبر المنطقة الجبلية بمحاذاة محافظة صعدة اليمنية.. وصولاً إلى ساحل البحر الأحمر.. هو المنطقة التي يتسلل عبرها المتسللون، إذ إن هذه المنطقة الوعرة تتوهم هذه العصابات بأنها تجد فيها أمنها وتزعم بأنها توفر لها مزايا تستطيع بموجبها ممارسة أساليبها العدوانية وحيلها الخداعية، متجاهلة بأن المقاتل السعودي يجيد التعامل مع أنواع الأراضي وتتوفر له المعرفة الدقيقة عن الكيفية التي تُدار بها الحرب الجبلية وحرب العصابات، منطلقاً من الحقيقة القائلة: استفد من الأرض ودعها تقاتل معك وتدافع عنك وتقف إلى جانبك.

والتسلل عبر الحدود السعودية اليمنية بالنسبة لليمنيين يُشكِّل ظاهرة مألوفة إذ تدفعهم الحاجة والبحث عن الرزق إلى اقتناص الفرص لعبور الحدود بطريقة غير مشروعة، والعصابات الإجرامية استغلت هذه البيئة وتحركت خلسة بصورة ساعدتها على التّخفي واختراق الحدود، متبعة أساليب الغدر والخداع.

والتسلل المعادي ينبثق في تنظيمه من الجانب الفكري والانتماء المذهبي لأصحابه، ومن الصعب تحديد حجم هذا التنظيم وحصر قوته البشرية.. إلا أن هذا التنظيم يتألف من عشرات الآلاف من اليمنيين، وبعض المرتزقة من خارج اليمن، علاوة على احتمال وجود عناصر من تنظيم القاعدة.. ونظام التسليح المتوفر لهؤلاء يقتصر على الأسلحة الخفيفة التي ساعدهم في الحصول عليها طبيعة المجتمع اليمني وبعض الأحداث الجارية، أما التأمين اللوجستي فيعتمد على ما يتوفر لهم من دعم داخلي وخارجي.

وحسنات الأرض بالنسبة للعصابات تصطدم بسيئاتها، والسير في طريق ضيق بين الجسارة والتهور تكاليفه باهظة وعائداته غير مضمونة، فضلاً عن أن القوات السعودية مدربة ومجهزة لهذا النوع من القتال مما مكَّنها من المبادرة وفرض المشيئة على المتسللين.

والقيادة العسكرية السعودية عندما حرَّكت قواتها النظامية لمواجهة التسلل المعادي، فإنها على دراية تامة بأن العصابات تحاول دائماً العمل بصورة مستترة، وتضحي بالمكان لكسب الوقت، وقد عمدت قيادة القوات السعودية إلى اتخاذ جملة من التدابير السياسية والعسكرية الكفيلة بالقضاء على مصدر الخطر، ونجحت في ذلك.

ونظراً لأن الحرب الحديثة سواء تقليدية أو مضادة للعصابات طغت عليها المؤثرات النفسية، وأصبحت تمثّل حرباً عقلية قبل أن تكون عضلية، فإن القيادة العسكرية ركَّزت على خفة الحركة والمفاجأة والخداع والبحث عن نقاط ضعف العدو واستغلالها لزيادة الضغط عليه وإضعافه، حيث تسنى لها بذلك الاقتصاد في مجهودها وزيادة مردودها، بما يتلاءم مع أساليبه ويبطل مفعول تكتيكاته، وقد استخدمت القوات السعودية بمهارة هذا التكتيك واستطاعت دحر التسلل وإبعاده عن حدودها.

وهزيمة العصابات عسكرياً وقطع اتصالها بالداخل وعمل ما يلزم عمله نحو إخلاء القرى الحدودية وإعادة توطين سكانها في أماكن صالحة للاستيطان، هي المهام الأساسية التي ركزت عليها القيادة العسكرية السعودية بوصفها تدابير سياسية وعسكرية لا غنى عن أن تمتزج امتزاجاً دقيقاً بالخطة العامة، وأن تتوقف درجة تغلب أي منها على الأخرى تبعاً لمرحلة العمليات والهدف المرحلي وما يقود إليه من هدف نهائي.

ومن الواضح أن تفاقم المشكلات التي واجهها المتسللون واستمرار الضغط عليهم.. كل ذلك ساعد القوات العسكرية والأمنية السعودية على تأمين الحدود من عبورهم والإيقاع بهم، الأمر الذي حرمهم من الاتصال بسكان القرى الحدودية وإضعاف روحهم المعنوية، وكذلك أخذ المبادرة عليهم وحصر نشاطهم في المرحلة الدفاعية من مراحل عمل العصابات، ورغم أنه يصعب التنبؤ بأن لدى هذه العصابات حلولاً محدودة للخروج من هذا المأزق، إلا أن الإنذار الكافي والمعلومات الدقيقة من قبل الأجهزة الاستخبارية السعودية وعزم القوات المقاتلة السعودية وتصميمها على ضرب جذور التنظيم العسكري للعصابات والتفوق عليه ميدانياً.. كلها عوامل كفيلة باختصار الوقت والقضاء على المتسللين.

وترتيباً على ذلك فإن القوات السعودية المضادة للعصابات تأتي في مقدمة اهتماماتها.. كما هو واضح قطع الطريق على المتسللين وفصل الحلقة التي تربط بينهم وبين الأماكن التي من الممكن أن يستفيدوا منها في الداخل.. علاوة على عدم تمكينهم من البقاء على مقربة من الحدود، وما يعنيه ذلك من إحكام الإجراءات الأمنية والتوسع في النظرة المستقبلية.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد