Al Jazirah NewsPaper Friday  01/01/2010 G Issue 13609
الجمعة 15 محرم 1431   العدد  13609
 
تأملات في: عيناي تَدْمعان
د. محمد بن سعد الشويعر

 

هذا عنوان لكتاب ألَّفه: الأستاذ خالد بن حمد المالك، وهو صغير في حجمه، عميق في محتوياته، يحمل آهات وعبرات وجدانية، وتأبينات حرّاء، أبكت قلوباً، وأدمعت عيوناً، فيه عبر وعظات، وسلوى لمن مرّت به.....

.....أحزان، في حبيب وقريب، ومن منّا في هذه الدنيا، من لم يكتو بشهاب من لوعة، فراق أب أو ابن، أو أخ أو صديق، أو من لم يمسه لهب الحزن، الذي جعل الله دمعة العين، تطفئ شيئاً من اللظى والوجدان، وفي تعاليم ديننا ما يخفف المصائب.

هذا الكتاب في حجمه المتوسط، وطبعته الأنيقة، في الإخراج والتنظيم، وجودة الطباعة ودقتها، فقد نجد بين طياته عظة وعبرة لمن يفقد حبيباً غالياً على النفوس، لنودّعه بعيون دامعة، ونفوس مطمئنة، مؤمنة بقضاء الله وقدره، ومحتسبة في الصبر للفاقد الأجر، والمنازل العالية وللمفقود: بالدّعاء والمواساة أن يخفف الألم. وكأنا نقرأ في تراثنا الأدبي والعلمي، اهتماماً بتسلية ذوي المصائب بما يجلي الهّم، ويسلّي عن الغمّ، لأن في تصفح هذا الكتاب، مع صغر حجمه، ما يحقق شيئاً من هذا الجانب، الذي تدخل همومه كل بيت لأن مصائب الموت تمر بكل قلب، يشترك في ذلك: الكبير والصغير، والأكابر من سيد ومسود، وغيرهم لكن يهون الأمر لمن يقرأ مثل هذا الكتاب، بأسلوب كاتبه الأدبي الحديث، ودلالات معانيه المستمدة من شرع الله، وما يجب أن يقابل العبد به مصيبته، من العبر والاحتساب، وما في عرض المؤلف من تحليل لبعض المصائب، ودعوات يقدمها بين يدي كل حادثة بما يلائمها.. إدراكاً منه بمعرفة المكانة التي يجب أن يكون تأصيلها عند حلول كل مصيبة، كما سماّها الله سبحانه وتعالى في كتابه: ?إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ? (106) سورة المائدة، فسمى الله مجيء الموت، في موضوع كتب الشهادة، بالمصيبة، مع أن الموت جاء في كتاب الله، يصاحبه حالات معينة، أكثر من مائة مرة، للدلالة على عظم فاجعته على النفوس، وعلى تفريق الجماعات: إخواناً وأصفياء، وقادة ومقودين، وعلماء ومتعلمين، صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً: ?قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ? (8) سورة الجمعة، وما ذلك إلا من أجل تعويد النفس على أثره، ولما كان الموت لا مفر منه، فإن من تخفيف وطأته المشاركة في التحمّل، وذكر المحاسن للمتوفى، كما جاء في القول المأثور: (اذكروا محاسن موتاكم)، والمواساة للمصابين والدعاء لمن ودّع. وهذا ما حرص المؤلف عليه في تأبينه للمتوفين في هذا الكتاب، حيث بلغت كلماته (57) كلمة، بسطها في أسلوب شيِّق، لا يمله القارئ، لما فيه من سلاسة يرتاح لها القارئ، وهو ما يطلق عليه بعض النقاد: السهل الممتنع.

لقد بدأ المؤلف كتابه، بالإهداء المريح: إلى كل من مسّه الجزع والحزن في حياته، وإلى كل مكلوم عاش لوعة الفراق، مع من يحب، وإلى كل من دمعت عيناه، وبكى كثيراً وطويلاً، تأثراً على من رحلوا من دنياهم ودنياه، إليهم ولهم ومن أجلهم هذا الكتاب.. وقد أعقب ذلك بتقديم عنوانه ب: من صومعة الأحزان في أربع صفحات. تلى ذلك في قطعة أدبية، عن دفتر الأحزان استمدها من مقولة: الشاعر المهجري الكبير: إيليا أبو ماضي وهي: كن جميلاً ترى الوجود جميلاً، حيث قلّب صفحات من هذا الدفتر ليقرأ عن الأحباب الذين غابوا، وعن الآخرين الذين تقرّ العين بهم، من حين إلى حين: عن المريض، والغائب، وضعف الإنسان وغير ذلك.. وفي التأبين والدموع:

- بدأ بالملوك من آل سعود: الملك سعود تحت عنوان شخصية لا تُنسى، بحديث مناسبته الندوة التي أقيمت تكريماً عن الملك سعود (ص19-22). وعن الملك فيصل الذي سماه: الفارس الذي مات شهيداً، أورد ثلاث كلمات عن مآثره وأعماله (ص23-32). ثم تحدّث عن الملك خالد، تحت عنوان: رحم الله الملك خالد (ص33-36). وبعد وفاة الملك فهد كانت الكلمة عنه تفيد أن بكاءه عنه حزيناً، حيث قال: حبيباً تودعه القلوب المكلومة بوفاته، وصديقاً تبكيه الأمة بكل عواطفها وجوارحها ودموعها، وحزنها وأسفها وأساها (ص37-42)، أتبعها بكلمة عنوانها: خير خلف لخير سلف، في بداية عهد الملك عبد الله - حفظه الله - وفي أول يوم بُويع في قصر الحكم في الرياض، ختم تلك الكلمة بقوله: وداعاً أيها الملك الغالي، وداعاً يا أبا فيصل، وأهلاً بأبي متعب ملكاً للمملكة وبأبي خالد ولياً للعهد (43-47).

ومن برّه بوالده: حمد المنصور المالك، الذي اعتبره سجلاً حافلاً بالعطاء، استهل مرثيته فيه من كتاب عن هذا الوالد، الذي لم يكتب عنه باعتباره والده، بل تناول حياته من زاوية إسهاماته في خدمة الوطن والمواطن ليس غيره، وبعد الثناء على أعماله وما يتحلَّى به، قال: لا أزعم أن والدي كان الوحيد في هذا، بل كان ضمن منظومة طويلة من الفرسان الذين وهبوا للوطن كل الإخلاص، ومنحوه كل الحب والوفاء، وتحت عنوان: حزن باقٍ وجرح لم يندمل: أسبل دمعاً على اثنين من إخوانه كانا قدوة له: إبراهيم وعبد الله فرثاهما وبث حزنه عليهما، كما بكى ابنه فهداً، الذي اختطفته يد المنون، وهو في مقتبل عمره، ونوّه عن بكاء أمه ليلها ونهارها بقلبها المكلوم (عن هؤلاء من الأسرة الصفحات 49-65).

وفي موطن آخر نراه يبكي أفراداً من أسرته أيضاً، لكل منهم مكانته ودوره أولهم ابن عمه: محمد العبدالله المالك، بعنوان: لمن العزاء (ص123)، ومعالي الدكتور ذو الأمانتين: صالح بن عبدالله المالك بتأبينين الأول بعنوان: الرجال يبكون، والثاني بعنوان يدل على حزن لا ينتهي، فقد أفاض في هذين التأبينين، بعبارات صادرة من قلب مكلوم، وعبارات مؤثِّرة دامعة (ص 127-134)، ولا شك أن كل من عرف الدكتور بخلقه ومحاسنه، قد امتلأت عيناه بالدموع، ذلك اليوم.

وأعطى ابن أخيه: منصور بن إبراهيم المالك ثناء، في تعزيته في زوجته زينب بنت محمد العبدالله المالك، أم أولاده، وهي ابنة أخت المؤلف، مشيداً بوفاء زوجها، لتفرّغه في رعايتها إبّان مرضها أكثر من ثلاثين عاماً، وجاب بها المشافي في عدد من دول العالم، طوال تلك المدة، حيث انصرف إلى تعويضها عن آلامها، وقسوة المرض عليها، بأن تحول إلى رفيقها ومؤنسها ومخفف آلامها، آناء الليل وأطراف النهار، في وفاء يندر مثله (ينظر ص 135-137) تحت عنوان (صبراً أبا خالد). فأعطاه كسوة من الإشادة والثناء، مما يكافئ وفاءه بها، وهذا يذكّرنا بما روي عن أحمد الزيات الأديب المصري، صاحب مجلة الرسالة، الذي أشيع خبر موته، فتناولته الأقلام بالتأبين، والثناء على مكانته وأدبه بما يستحقه، وإذا به يفاجئ الناس بحياته وسعادته ببكائهم عليه مبيناً أن إظهار المشاعر لمن هم على قيد الحياة أبلغ منه بعد الممات، حيث يحس بمكانته لدى الآخرين، ويقرأ ما يكتب عنه.

أما مع الأمراء من الأسرة وغيرهم فقد بدأ بسمو الأمير: عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن الذي اعتبر الفاجعة بموته كبيرة جداً، وكانت الخسارة بفقدانه فادحة ومؤلمة، لأنه لم يكن لنفسه، ولم يكن لأشخاص معدودين، بل للجميع نعم الأب والأخ والصديق، ومن هنا فقد بكاه الناس، وخصوا أحاديثهم بالكلام عن فضائله (ص67-69).

وأعقبه بالفارس الذي رحل الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، وما تميز به (ص 71-72) والأمير فهد بن سعد بن عبدالرحمن، الذي قال عنه: أعمالك لن تموت، فقد اعتبر موته يمثّل خسارة فادحة ومصاباً عظيماً (ص 73-74).

وكذا الأمير عبدالله الفيصل وزير الوزارتين، وممثل الملك في الحجاز الشاعر الكبير (81-84)، حيث ربط حديثه عنه بعلاقته بوالد المؤلف كلما جاء إلى الرس. أما سمو الأمير ماجد بن عبدالعزيز فقد أبَّنه بقصيدة حديثة النظم (من الشعر الحداثي) ضمنها بعض سيرة حياته وأعماله وقال لقد مسّنا الجزع لموته، وأصابنا الألم، فقد كان كبيراً وشهماً وإنساناً (85-90).

وعن الأمير عبدالمجيد الذي كان أميراً في يوم رحيله، حيث داهمه المرض القاتل دون مقدمات أو مؤثرات، أو إشارات سابقة (ص91-93). والأمير الذي أحزن الناس، فاجعة موته إنه، سعد بن خالد الذي كان يتحلّى من الصفات والخصال بما لا تجدها إلا في عدد نادر وقليل من الرجال (ص95-98).

وفي عالم الرياضة توارى عنا أنيس المجالس وفاكهة الرياضة الأمير: عبدالرحمن بن سعود بن عبدالعزيز (ص 99-101) أما دمعة سلمان بن عبدالعزيز، فكانت في ابنين بارّين: فهد بن سلمان الذي خصَّه بمقالين يتمثّل فيهما الحزن، وأحمد بن سلمان الذي بلغه النبأ عن وفاته وهو خارج المملكة، فقد تذكر الأمير سلمان بن عبدالعزيز ووالدة فهد وأحمد، تذكرهما كوالدين لم يندمل جرح أكبرهما، وقد كانا بارين بوالديهما، وفقدهما مؤلم ثم دعا لهما بالرحمة (103-114).

واهتم بالقادة العرب، ليدخلوا تحت مظلة الحزن والبكاء بعد فقدهم واحداً تلو الآخر، فالشيخ جابر آل صباح، كتب عنه تحت عنوان وداعاً أيها الأمير، والشيخ زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ودعه بكلمة عنوانها: فقيد العروبة والإسلام، والرئيس اللبناني: رفيق الحريري، رئيس لبنان أبّنه بكلمة عنوانها: مَن قتله؟ ثم بأخرى عنوانها: ميزان العدل، والزعيم الفلسطيني: ياسر عرفات عنون العزاء فيه ب:فمن ينقذ سلام الشجعان؟

أما الشهيد المناضل: أحمد ياسين، من قيادات فلسطين فكلمته عنه: هذا هو الإرهاب، حيث أيقظه داعي الفلاح: الصلاة خير من النوم، فيما أيقظه منبه المجرم شارون الغبي من حيث الزمان والمكان، والانتقاء للرموز، في كلمات مشجية لكل واحد، محزنة على خسارة البلاد العربية لهؤلاء الزعماء. (ص139-160).

ثم لم ينس رجالات من هذه البلاد: وزراء ووجهاء، وأدباء وشعراء وعلماء وأثرياء يحبون الخير، وصحفيين لهم وزنهم، ومكانتهم كل في ميدانه، بما أعطوا ونفعوا، فكان لفقدهم رنين وحزن، أمثال معالي الأستاذ: إبراهيم العنقري، ومنصور العساف، والأديب حمزة شحاته، والشاعر محمد المسيطير، والأديب عبدالله الجفري، والكاتب صالح العجروش، والأستاذ صالح الزامل خاله الغالي والمربي: عثمان الصالح، والشيخ: عبدالعزيز المسند، والوجيه محمد الجميح، ورجل الأعمال: عبدالله محمد الحقيل، والدكتور حمد السلوم، والمثقف الأصيل عبدالله نور، والوفاء الذي خسرناه طلعت وفاء والفقيد الكبير: عبدالله السلوم، والدكتور عبدالله الوهيبي، وحبيب فقدناه صالح العزاز، والمفكر الدكتور عبدالقادر طاش، والشاب: فهد الثنيان، وأستاذه إبراهيم الضويان، والصحفي محمد الجحلان، والشهيد الذي استلهمه من كلمة لخادم الحرمين الشريفين فيها: إن هذا الوطن لن ينسى شهيداً مات وهو يدافع عن الوطن (ص161-239) وغيرهم ممن أضفى عليهم يراع قلمه ثناء ودعاء، وإشادة بمساهماتهم في بناء هذا الوطن بأعمال نوّه عنها لكل منهم، وكل منهم يحتاج المرور بكلمات منه حانية ومؤثرة، عن محاسنه.. لكن الحيّز يقف دون ذلك. فكان وفياً معهم، مبيّناً لمواقفهم وأعمالهم في كلمات مختصرة، مقرونة بالصورة لكل فرد توثيقاً وتعليماً، وتوضيحاً عن رقم العدد من صحيفة الجزيرة التي رصدت تلك الأحداث في وقتها.

ولم ينس في الختام: وداعاً حزيناً على صحيفة المسائية التي عاشت ردحاً من الزمن (20) سنة ثم أوقفت، فقد حزن وبكى على توقفها، ويتساءل عن المسؤول عن إيقافها عند العشرين عاماً من عمرها؟ وقد نظم عزاء على توقفها، في قصيدة مؤثرة، نابعة من قلب حزين بهذا التوقف، إلا أن مما يخفّف الحزن بشارته بإصدار جديد من مؤسسة الجزيرة يوميّ سيكون البديل الأفضل للمسائية إن شاء الله، حيث أبان عن هذا الأمر بعدد الجزيرة ليوم 19-4-2001م فكان وداعاً حزيناً يحمل بشارة لمحبي الجزيرة من قرائها (ص 242-248)، حيث ختم وداعه الحزين على المسائية بهذه العبارة: وا حزناه على المسائية، وا فرحتاه بالأسرة.

والكتاب مع صغر حجمه، أنصح بقراءته، لما فيه من توثيق وانتقاء ومعلومات يندر أن تجدها مجتمعه في غيره.

نشرته دار بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، في بيروت، فأحسنت الإخراج، في طبعته الأولى عام 2009م - 1430هـ.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد