Al Jazirah NewsPaper Friday  01/01/2010 G Issue 13609
الجمعة 15 محرم 1431   العدد  13609
 
نوازع
الإبداع الإجرامي
د. محمد بن عبد الرحمن البشر

 

من المحزن أن يفكر شخص في الإبداع في وسائل التخريب والإيذاء بدلاً من الإصلاح والبناء، وكلما تأملت ملياً في ذلك الشاب النيجيري الذي غطى جسمه بالبارود ليقتل نفسه وغيره من المسافرين الآمنين، كلما ازددت قناعة أن بعضاً من الناس لا يحتكمون لمنطق بذاته تتفق عليه الأعراف البشرية، ولا إلى تعاليم دينية أتى بها الأنبياء والرسل ولا إلى فلسفات تُحكم الفعل والمنطقن ولا إلى مكائد حربية وخطط سياسية، وإنما هي أفكار عبثية تخرج من حاقدين، أو مارقين أو ضالين، يكون منفذوها أصحاب ثقافات وعقول قابلة للاستدراج والاقتناع بأي شيء حتى غير المنطقي، فيكونون وقود النار التي تلتهمهم وربما تلتهم غيرهم من البشر.

لقد حاول شاب نيجيري مسلم كما يدعي أن يفجر طائرة مدنية تحمل ركاباً آمنين، وهو لم يكن تحت ضغوط مالية وحاجات يومية لتزج به في أتون هذا التصرف غير المنطقي أو الإنساني وقبل ذلك غير الإسلامي، فهو ابن ثري يمكن أن يعيش عيشة كريمة مثل باقي بني البشر، لكنه أبى إلا أن يعيش في السجون بعد أن بقي على قيد الحياة، وبعد أن سلم الله الأبرياء من شره.

كنت أتمنى لو أنّ ذلك العقل المفكر في هذا الفعل، كان أكثر حباً للإسلام ورفعاً لرايته فأشغل عقله بما ينفع الناس، فهداه إلى صناعة جيل جديد من محركات الطائرات أو أجسامها، وسعى إلى أن يتبناها رجال الأعمال فيضيف للإسلام شيئاً عظيماً من خلال الاستغناء عن الطائرات التي تشتريها الدول الإسلامية والدول العربية بأغلى الأثمان، ويكون قد أسدى إلى البشرية خدمة كبيرة، وإلى جيبه دراهم كثيرة، فأحسن لدينه وللناس ولذاته، لكنه أبى كل ذلك الخير ووظف قدرته الإبداعية في الإساءة إلى الإسلام، وترويع الآمنين وفقد المال والحرية وربما الحياة لذلك الذي حاول تنفيذ العملية.

هذا الإبداع الإجرامي، سيدفع بالدول إلى المزيد من الإجراءات الأمنية، مما يترتب عليه مزيداً من التدقيق والتفتيش والتمحيص على المسافرين الأبرياء خوفاً من أولئك العابثين، وستكون الحيطة مع الأسف أكثر تجاه معتنقي الإسلام لإدعاء ذلك الشاب انتماءه إليه وربط فعلته به وهو منه براء، براءة يوسف من دم الذئب.

وكلما هدأت الأوضاع، وقلنا لعل الآلة الإعلامية العالمية تتجاوز هذا النوع من الإجرام العبثي، لتركز على حقوق المسلمين في فلسطين وغير فلسطينن ينبري شخص ما مثل ذلك الشاب ليعيدها تارة أخرى لتحذر الناس من أفكاره التي ربطها بالدين الإسلامي الحنيف، دين المحبة والإخاء والسلام، وكأن هذا الصنف من البشر ليس له همّ إلا الإساءة للإسلام بالفعل والقول، ثم يستحث البشر ووسائل إعلامهم على التركيز على ما يسيء لا ما ينفع.

الإسلام في حاجة إلى عقول إبداعية للبناء والتفكير، وحسن التدبير والمساهمة مع العالم في نهضته العلمية والثقافية والصناعية والزراعية لاسيما، أن شعوب الدول الإسلامية من أقل شعوب العالم استفادة مما هو متاح من علوم وصناعة وزراعة وثقافة، فهناك بعض منهم يفتقدون إلى حاجاتهم الأولية، ومتطلباتهم الأساسية، لعوامل عديدة ليس هذا مقام ذكرها.

الإسلام في حاجة إلى أن يرفع المسلمون من شأن ذاتهم بالأفعال لا بالأقوال وأن يضيفوا إلى العالم من إبداعاتهم ما هم في حاجة إليه، فالمبدعون كثير، إذا أحسنوا استغلال إبداعهم ووجهوه إلى غايته النبيلة، ورايته العزيزة، فالإسلام في حاجة إلى أبنائه المبدعين الخيرين، وليس إلى المبدعين العابثين، أو الكسالى غير المبدعين.

يبدع العالم كل يوم باكتشاف طرائق جديدة ووسائل مفيدة، وطائرات وسيارات ربما تستغنى عن الوقود الأحفوري الذي منه قوتنا ومصدر اقتصادنا، وهذه الثلة القليلة من البشر تبدع في التدمير والإجرام، وقتل الأنفس، والإساءة للإسلام، وشتان بين من يعمل لأمته ودينه وبين ذلك الذي يسيء لأهله ومعتقده.

حمانا الله من كل مكروه وحفظنا وبلادنا وجميع بلاد المسلمين، والعالم أجمع من أولئك الضالين العابثين المسيئين للإسلام والمسلمين.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد