Al Jazirah NewsPaper Friday  01/01/2010 G Issue 13609
الجمعة 15 محرم 1431   العدد  13609
 
العرب والهوية الجغرافية والعلمية
د. عبدالرحمن بن سعود الهواوي

 

يبدو أن الوطن العربي الممتد بدوله من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي في عالم اليوم بلا هوية جغرافية أو علمية، فمن الناحية الجغرافية فقد نهبت واحتلت بعض أجزائه، أما من الناحية العلمية والصناعية والتكنولوجية فلا حس ولا خبر. والعرب في موقعهم الجغرافي هذا يختلفون اختلافاً جوهرياً عن بقية شعوب العالم في الوقت الحاضر فهم مشغولون فيما بينهم بأمور أهم عندهم من التطور العلمي والصناعي والتكنولوجي.. إنهم مشغولون بالتناحر فيما بين أحزابهم، ومذاهبهم وطوائفهم وقبائلهم، وفي خطبهم الرنانة وأغانيهم الحماسية في فضائياتهم، وبتسليم إرادتهم ومواقفهم وثرواتهم وأجزاء من أوطانهم لأعدائهم. والعرب هم الوحيدون في العالم الذين يستنجدون بالأجنبي لقتال بعضهم البعض.

لقد قسم الغرب الأوروبي العالم - بعد اكتشاف أمريكا في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي (1492م) إلى الغرب والشرق، فالغرب هم شعوب أوروبا ومعهم الجنس الأوروبي في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، أما الشرق فهم شعوب الدول التي تقع في الشرق من أوروبا، ومن ضمن هذا الشرق الوطن العربي، أما الشعوب الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى فهو مصدر العبيد للغرب.

كان الغرب - وخصوصاً الجنس الأوروبي الأبيض - يعتقد - ولا يزال - أنه أفضل من الشعوب والأجناس البشرية الأخرى من الناحية العقلية والفكرية، ولهذا فقد برر لنفسه استعمار الدول الأخرى، واستعباد شعوبها والسيطرة على مقدراتها.

إن من يطلع على التراث الفلسفي والأدبي الأوروبي يتبين له هذه النزعة الفوقية فيه بالنسبة للشعوب الأخرى، وخصوصاً في القرون السابقة للقرن العشرين. ونحن هنا سنورد مثالاً واحداً لأحد فلاسفة الغرب المنحاز في فلسفته لبني جنسه وخصوصاً في الجانب العلمي، وهذا الفيلسوف هو الفرنسي ليون برنشفيك. يقول إبراهيم (1968م): ليون برنشفيك (1869-1944م) فيلسوف فرنسي.. فلسفته (المثالية الجديدة).. قد تحمس للغرب ضد الشرق، فذلك لأنه قد ظن أن (الغرب) وحده داعية العقل، ونصير العلم، كما أن خلاص الإنسان - في نظره - رهن بإدراكه للحقيقة، وليست الحقيقة عنده سوى (الحقيقة العلمية).. ومن هنا فقد عني برنشفيك بدراسة تاريخ الإنسانية من أجل إظهارها على الكسب الحقيقي الذي استطاعت البشرية أن تحققه من خلال التقدم العلمي.. وقد أظهر - برنشفيك - إيماناً كبيراً بقيمة العلم كأجلى مظهر من مظاهر الإبداع البشري.

نعتقد أن فلسفة هذا الفيلسوف والتي تحمست للغرب ضد الشرق وأن الغرب هو وحده داعية العقل ونصير العلم قد أثبت الزمن بطلانها بالنسبة للشرق وخصوصاً في القرن العشرين، ومع هذا البطلان إلا أنها حقيقة صادقة بالنسبة للعالم العربي ودوله، فالعالم العربي من الشرق وبالمقابل له فاليابان والصين والهند وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وروسيا.. و.. هي دول من الشرق ولكنها استخدمت العقل ونصرت العلم وامتلكت التقنية وبنت المصانع.. و.. وهذا يعني أن العقل هو العقل سواء في الشرق أو الغرب إذا أتيحت له الفرصة بواسطة العلم وحرية الفكر والتصور والإبداع.

***

المرجع:

د. زكريا إبراهيم (1968م) (دراسات في الفلسفة المعاصرة). دار مصر للطباعة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد